خاص - النقار / مجتمع
صنعاء على وجه الخصوص والإستثناء، مدينة أصبحت مزدحمة جدًا بالبشر والسيارات والقادمين الجدد من القرى والأرياف، في ظل شوارع ضيقة ومستهلكة، ومتنزهات محدودة، الأطفال بالملايين في الحارات والأنحاء المختلفة، طفرة بشرية كثيفة ومخيفة، يقابلها توقف تام لأيّ خطط استيعاب وتنمية وتوسع، الناس بطبيعة الحال لجأوا للمدن تاركين القرى والأرياف، بحثًا عن حياة أفضل وفرص أكثر وتعليم لأبنائهم ووظائف لشبابهم، هذا بالفعل تسبب باكتظاظ اليمنيين في صنعاء، بمعايير عيش متدنية وغير ملائمة، يصاحب هذا كله اختناقات مرورية دائمة تشهدها شوارع صنعاء الرئيسية ومعظم الشوارع الفرعية، في ظل تجاهلي سلطات صنعاء لتزايد الإختناقات المرورية.
هجرة داخلية صوب صنعاء.
محمد عارف، بائع متجول، يتجول بعربيته الصغيرة في أحد أسواق شملان بالعاصمة صنعاء، يقول محمد عن تزايد القادمين صوب صنعاء بأنهم أعداد كبيرة وغير متوقعة، وأن الباعة المتجولون زادوا أيضًا، ونسب الربح انخفضت، مع أن الأصل زيادة البيع والشراء، ولكنه يتسائل عن هذا العجز الواضح عند الناس، يضيف محمد بأن تزايد الناس في صنعاء أدى لازدحامات شديدة في الأسواق والشوارع، نتيجة تزايد أعداد الباعة المتجولين والمتراصين على الأرصفة.
من ناحيته، تحدث الى "النقار" الدكتور أيمن الصبري وهو متخصص في علم الإجتماع، عن إشكالية الاكتظاظ السكاني في صنعاء، قائلًا: بأن صنعاء وبقية مناطقها تعيش منذ أكثر من أربعة عشر عامًا، بلا أيّ تحديث حقيقي للبنى التحتية أو التنمية المتزامنة، مضيفًا بأن المدينة صنعاء ديمومتها كعاصمة تتقدم مع مرور السنوات، لهذا هي لا تشهد خطط استحداثات وتوسع وتخطيط، وليس فيها برامج تعنى بتنميتها، ولا مؤسسات تتحمل مسؤولية تأهيل البنى التحتية فيها، هذه المدينة تدفع الثمن الكبير، مقارنة بالمدن الأخرى، التي استفادت من الصراع والتقسيم والإنغلاق، صعدة ومأرب وشبوة وعدن والمخا، وبقية المناطق المنتمية لتعقيدات الصراع، مدن استفادت جدًا، واستمرت فيها التنمية والبنى التحتية والتوسع العمراني والتخطيط الحضري، ولكن وفي المقابل العدد الأكبر من اليمنيين يتوجهون أكثر صوب صنعاء، ويتكدسون فيها أكثر من بقية المحافظات.
من ناحية متصلة، تحدث محرر النقار مع أحد الشخصيات الاجتماعية بإحدى حارات العاصمة صنعاء، فضل عدم ذكر اسمه قال لنا: جربوا الذهاب للسير في أحياء وحارات مسيك ونقم ومذبح وشملان وبعض الأماكن والأزقة والشوارع والميادين، ستجدونها كلها تعج بالأطفال الصغار جدًا، أجيال جديدة تتدفق للحياة بكثافة، كثرة سكانية لا يتوقعها أحد، ولا يتصور وجودها أحد، كأنهم في مثواهم الأخير من هذا العالم، في مدينة لا يريدون غيرها ولا يبحثون عن سواها، مدينة منهكة ومتهالكة ومزدحمة جدًا.
التزايد الكبير لعدد سكان صنعاء
في دراسة بحثية نشرتها مجلة العلوم الإنسانية والطبيعية للدكتور والباحث عبدالولي العرشي، دكتور جامعي بكلية الأداب والعلوم الانسانية جامعة صنعاء، تحدث فيه عن تزايد عدد السكان – كمؤشر – في حدوث الاختناقات المرورية بشوارع المدينة، يقول في دراسته: مما لا شك فيه، فقد تزايد السكان بصنعاء بفوارق كبيرة بين عدة أعوام وعدة تعدادات سكانية، فما بين تعداد السكان عامي 2004 - 1994 وصل عدد السكان في الأول إلى (954448) نسمة، وفي الثاني إلى (1711615) نسمة، وسبقت الإشارة إلى أن عددهم قدر عام 2014 بنحو (2345000) نسمة، وفي عام 2019 بنحو (3525000) نسمة؛ ترتب على ذلك تزايد كثافتهم العامة في صنعاء من (9090) نسمة لكل كم2 عام 1994 إلى (8150) نسمة لكل كم2 عام 2004، وإلى (7922) نسمة لكل كم2، عام 2014، وإلى (9227) نسمة لكل كم2 عام 2019، لتزيد مساحتها من (105كم2) عام 1994 إلى (210 كم2) عام 2004 وإلى (296كم2) عام 2014 وإلى (382كم2) عام 2019م لذلك أكد (95%) من السائقين أن لهذا السبب تأثيرًا كبيرًا في حدوث اكتظاظ سكاني واختناقات مرورية.
اختناقات مرورية
مدينة صنعاء تعاني من الاختناقات المرورية التي تعد من المشاكل المهمة لسكان المدينة والمترددين عليها من سكان المحافظات الأخرى والمناطق المجاورة لها، في ظل تواضع مستوى التخطيط الحضري للمدينة، وضيق معظم شوارعها، وعدم توفر مواقف لمركباتها وسياراتها، والتجاوز على أرصفة الشوارع من قبل الباعة واصحاب المحلات وملاك الأبنية، ومحدودية ممرات المشاة، والاستخدام المفرط لسيارات الأجرة الصغيرة والدراجات النارية في المدينة، وعدم التطبيق الواضح لقانون المرور.
العقيد عبدالله النويرة مدير مكتب مدير مرور الأمانة، في حديث مفصل مع النقار، تحدث عن عدة أسباب محورية للإزدحام الشديد في شوارع صنعاء، خصوصًا الأعوام الأخيرة، يقول العقيد النويرة: بأن تخطيط مدينة صنعاء بدأ منذ ستينات القرن الماضي، وفق أطر ضيقة جدًا، وبدون استيعاب استراتيجي طويل الأمد، يضيف بأن الذين خططوا صنعاء كان أفقهم ضيق ولم يكونوا يستوعبون بأنها ستكون ذات كثافة سكانية كبيرة، مؤكدًا بأن الإختناقات الحاصلة في صنعاء لم تصل لمرحلة التعطيل، بقدر ماهي تأخيرية ومؤقتة، لكنها متفاقمة جدًا، وهذا يحدث في مدن كثيرة حول العالم، مضيفًا بأن أعداد السيارات في صنعاء كانت في الماضي ما يقارب 300 الف سيارة، لتصل أعدادها اليوم لأكثر من ملينين وخمسمائة الف سيارة، وهذا يعني أن الطاقة الاستيعابية لشوارع صنعاء تفوق الطاقة المتوقعة لإنشائها، مؤكدًا بأن أهم الأسباب يكمن في سوء التخطيط وضيق الشوارع خصوصًا الشوارع الرئيسية، إضافة إلى الوقوف الخاطئ وعدم الإلتزام بقوانين المرور كما يفعل أصحاب الباصات والدراجات النارية، إلى جانب احتلال الباعة المتجولين لشوارع كثيرة، وفرعية، وعدم التزامهم بالأسواق البعيدة عن الشوارع الرئيسية، يضيف العقيد النويرة، بأن رجال المرور قاموا بجهودهم كاملة واستنفذوا 99% من محاولاتهم في سبيل تخفيف الاختناقات، ولكن الأسباب لا تنطوي ضمن سلطات رجال المرور، وتحتاج إلى إصلاحات كبيرة وجهود جماعية.
من ناحية متصلة، وفي دراسته الشاملة، يتحدث الدكتور عبدالولي العرشي بأن كثرة الحُفَر وأعمال الحَفْر في الشوارع والتأخر في إصلاحها: تؤدي إلى حدوث الاختناقات المرورية في الشوارع، لكثرة توقف المركبات عندها، وكذلك عمليات الحفر في الشوارع وأرصفتها من قبل وزارة المياه والبيئة بغرض إصلاح أنابيب المياة وخطوط المجاري. أيضًا من قبل حفريات وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات لإصلاح بعض شبكات الاتصالات، ويزيد من هذه الاختناقات عدم الإصلاح السليم للحفر، وعدم الإزالة الكاملة لآثارها؛ لندرة توفر مادة الأسفلت في المدينة بسبب الحصار وتوقف التنمية؛ لذلك أكد (60%) من السائقين أن لهذه الأسباب تأثيراً كبير في حدوث هذه الاختناقات، بالإضافة إلى زيادة أعداد المركبات في المدينة كنتيجة عكسية عن التزايد الكبير في عدد سكان المدينة وتزايد نشاطها الاقتصادي وعدد موظفي الدولة فيها واتساع مساحتها، مما أدى وبشكل كبير إلى تزايد عدد المركبات العاملة فيها، حيث زاد عدد السيارات التراكمي منها من (60363) سيارة في المدة ما بين 1996-2004 إلى (214909) سيارة ما بين 2004- 2014 وإلى (260569) سيارة في المدة 2014-2019، وزاد عدد الدراجات النارية التراكمي منها من (220) دراجة نارية في المدة من 2003-2008 إلى (46285) دراجة نارية في المدة 2003م-2014 أي إلى (46065) دراجة نارية في المدة 2008-2014 ووصل عددها إلى (673543) دراجة نارية عام (2019 ويزيد من أثر المركبات في هذه الاختناقات كثرة مخالفات الدرجات النارية في شوارع المدينة، وكثرة عدد سيارات الأجرة الصغيرة سعة خمسة ركاب، وتكرار توقفها في هذه الشوارع؛ لصعود الركاب إليها ونزولهم منها في أي مكان، دون توقفها في محطات معينة على مسافات محددة، وتسابق سائقوها في التنافس على تحميلها بالركاب من الشوارع، يضاف إلى ذلك استخدام مالكي السيارات الخاصة سياراتهم في تنقلهم بالمدينة.
الشوارع متنفسات جماعية
كشف تقرير رسمي عن إدارة الحدائق والمتنزهات بأمانة العاصمة، عن أعداد زوار الحدائق العامة خلال إجازة عيد الأضحى المنصرم بما يقارب 6 ملايين زائر، في 70 حديقة عامة بأمانة العاصمة، التقرير يشير إلى أن السعة الإجمالية للحدائق اكتملت بنسبة 100 % خلال إجازة العيد، يحدث هذا في ذات الوقت الذي يفترش فيه الناس شوارع صنعاء المحيطة بالحدائق العامة، خلال أيام العيد والإجازات. يفترشون الأرصفة حول الحدائق والمتنزهات المغلقة، بجوار بعضهم البعض، يتنفسون الحياة على أرصفة مدينتهم المليئة بالغيوم، وفي أرجاءها يتجول المقبلون الجدد ومن يسير معهم، هكذا تجري الحياة هنا، الكثير من الشباب مع صغارهم، المراهقون مع أقرانهم، الصغار والكبار، العشاق المحرومون، الفتيات المتباهيات، المكان يكتظ بالعوائل المجتمعه؛ الشباب والمراهقون يلتقطون الصور، الباعة المتجولون يستعطفون الزبائن، المصفقون المتزاحمون فوق السيارات، السيارات الممتلئة بالعابرين، الحياة في شكلها المتناقض،. الحديقة الصغيرة بجوار الأمـن المركزي مليئة بالمخزنين من أصحاب المترات، وميدان السبعين بامتداده من الجانبين وصولًا الى الجهة الجنوبية، مليء بالمخزنين من أصحاب السيارات، وحديقة السبعين مليئة بالمخزنين من أصحاب العوائل والشباب المراهقين، وأرصفة الطريق المؤدي إلى جولة ريماس مليء بالمخزنين والجالسين، والرصيف المحادد لمستشفى السبعين مليء بالمخزنين، والرصيف المطل على السايلة بجوار المشاتل مليء بالمخزنين.
حدائق محدودة ومكتظة
تمتلئ الحدائق الصغيرة والكبيرة خلال مواسم الأعياد والإجازات، وتكون الشوارع والأرصفة والطرقات مليئة بالناس، يجلسون كأنما يشاهدون نهر السين من أمامهم، ليستمتعون بحياتهم وقاتهم كأنهم في كاليفورنيا الشرقية، يقول أحد الشباب الجالسين على الرصيف بجوار دراجته النارية: لو كان لدينا مشاريع سياحية لمتنزهات وحدائق وأماكن عامة حقيقية ستحدث طفرة ونجاح كبير، وهي مشاريع لها جدوى وفائدة وأرباح كبيرة..
من ناحية متصلة، وعن أعداد الحدائق العامة في صنعاء يتحدث للنقار الأستاذ عبدالإله الخضر، مدير إدارة الإعلام بالإدارة العامة للحدائق والمتنزهات، في أمانة العاصمة، مشيرًا إلى أن هناك حدائق كبيرة ومركزية كحديقة السبعين والثورة والحيوانات، وحدائق متوسطة من الدرجة الثانية مثل حديقة برلين، وحديقة 26 سبتمبر وحديقة الحوار الوطني، وحديقة الوحدة، وحديقة جديدة بإسم الصماد في مديرية بني الحارث، إضافة إلى عشرات الحدائق الصغيرة أو ما يسمى بحدائق الأحياء، وتتوزع في جميع الحارات والمديريات، هذا وتتوفر في الحدائق خدمات عديدة من قبيل بوافي وكافتيريات وحمامات عامة، ومضلات جلوس، ومسطحات خضراء، وأشجار وزهور، والعاب تقليدية ومجانية، مدارة وزحليقات، إضافة إلى العاب كهربائية بحسب مسامة الحديقة بحيث تكون مقابل تذاكر مالية.
وحين سألنا الأستاذ الخضر عن العدد الإجمالي للحدائق وعن كفايتها للمدينة ولمواطنيها بشكل عام، قال بأن العدد يقارب 70 حديقة ومتنفس، ومن أجل تخفيف الازدحامات الكبيرة يجب على الناس التوجه للحدائق المتوسطة والصغيرة، مضيفًا بأن أمانة العاصمة وصندوق النظافة فتحوا الحدائق للمستثمرين بحيث يقوموا بإدخال ألعاب للحدائق والمتنفسات. وعن قدرة الحدائق العامة على استيعاب الاعداد الكبيرة، يقول الخضر بأنها غير كافية، وبأن التزايد الكبير في السكان وعدد الزوار، يقضي بضرورة إنشاء حدائق جديدة، وتحديث حدائق حالية، وإصلاح الكهرباء والأرصفة والخدمات الداخلية.
حلول ومعالجات
الإزدحامات والاختناقات في صنعاء تتطلب خطط استراتيجية في سبيل مواجهتها والتخفيف منها، بدءً من الاعتراف بها، وبضرورة العمل على الحيلولة دون تزايدها، إلى العمل على إيجاد خطط بنيوية شاملة، وحول الحلول والمعالجات يقول الدكتور عبدالولي العرشي أن الأمر بحاجة إلى اتِّباع الحكومة التنمية الإقليمية الشاملة في ريف كل المحافظات وحضرها، والتوعية بأهمية تنظيم النسل؛ للحد من هجرة السكان إلى المدن الرئيسة، لا سيما مدينة صنعاء. من جانبه العقيد عبدالله النويرة أشار إلى ضرورة تنفيذ خطط طارئة فيما يخص توفير مواقف مناسبة لملاك العمائر الجديدة، مع توفير أسواق جانبية للباعة المتجولين، وإلزام ملاك العقارات إلى إضافة بدرومات مفتوحة للسيارات، يجب أن يعي الجميع توفير مواقف وميادين للسيارات، وجعل الشوارع لمرور السيارات وليس لإيقافها، إضافة إلى ضرورة توفير مادة الأسفلت وسرعة صيانة الشوارع؛ للحد من اختناقاتها المرورية، إضافة إلى ضرورية توفير حدائق جديدة ومتنفسات عامة، وتحديث القديم منها، وتطوير الخدمات المقدمة فيها.
خاتمة
مدينة صنعاء بحاجة طارئة لخطط تنموية عاجلة، لاسيما بعد توقف عجلة التنمية فيها منذ أكثر من عقد زمني وسنوات طويلة، إضافة إلى ما لحق بها من أضرار جراء مراحل الصراع السياسي والحصار الأقليمي والإقتسام الداخلي، الأمر الذي يلقي بتبعاته على المدينة، كأكثر المحافظات تضررًا وتوقفًا وركودا، لهذا فالمسؤولية بالغة والتحديات جسيمة، والواقع مايزال غير واضح المعالم، لكن المدينة تعيش مراحل إنفجار سكاني وضيق حضري وهلاك بنيوي، لهذا لابد أن تُقدم خطط طارئة لإعادة تحديث البنى الهالكة، وتوسيع الطرق والشوارع وإيجاد المساكن والحلول العاجلة، بالإضافة إلى إنشاءات جديدة، بكل المديريات والنواحي الطرفية، إنشاءات من قبيل حدائق ومتنزهات وأسواق مخصصة للباعة المتجولين، ومواقف مناسبة بكل الأبنية الجديدة، هذا على الأقل كأجراءات مؤقتة إلى حين تنفيذ برامج استراتيجية من قبيل تخطيط الأماكن التي يتوسع فيها السكان وبدء تنميتها وإقامة بنى تحتيها فيها، إضافة إلى إيجاد حلول تحد من هجرة المواطنين من الريف إلى المدينة، عبر توفير خدمات التعليم والصحة والمياة والكهرباء، وما إلى لك من إجراءات، فاليمنيين بهذه الفترة الزمنبة المستقرة نسبيًا بحاجة لدولة ترعى معيشتهم، وتقدم مسئولياتهم وضرورياتهم، ولابد من شعورهم بوجود دولة حقيقة تعنى بهم وبخدماتهم، لابد من هذا على كل المستويات.