النقار - متابعات
كشف الصحفي فارس الحميري نقلا عن مصادر مالية يمنية عن أن جماعة أنصار الله فقدت خلال الأشهر الماضية مبالغ مالية كبيرة كانت مودعة كمساهمات واستثمارات في جمعية القرض الحسن اللبنانية، الذراع المالية الأبرز لحزب الله. الجمعية، التي تعمل خارج النظام المصرفي الرسمي، تعرضت لضربات إسرائيلية مباشرة وأُدرجت مؤخرًا ضمن قائمة الحظر الصادرة عن البنك المركزي اللبناني.
استخدمت الجماعة الجمعية كقناة آمنة لتحويل أموالها إلى لبنان، مدفوعة بعلاقتها الوطيدة بحزب الله. وقد تم تسجيل حسابات خاصة بأسماء غير مباشرة، منها حساب باسم "مساعدات لأطفال اليمن" ظهر ضمن سجلات الجمعية، يُعتقد أنه استخدم كغطاء لعمليات تمويل تخص الجماعة. وتأتي هذه الخطوة في سياق استراتيجية أنصار الله لتوظيف موارد الدولة – بما فيها الضرائب والمساعدات والمصادرات – في استثمارات خارجية غير خاضعة للرقابة الدولية.
تحويلات سرية من صنعاء إلى بيروت
منذ عام 2015، عقب إحكام الجماعة سيطرتها على مؤسسات الدولة في صنعاء، بدأ تدفق الأموال نحو الخارج، خاصة إلى لبنان وتركيا. تقارير يمنية متعددة أشارت إلى أن جزءًا كبيرًا من الأموال التي وفرتها الجماعة نتيجة وقف صرف الرواتب (ما يقارب 83 مليار ريال شهريًا آنذاك) تم تهريبه إلى خارج اليمن.
وبحسب شهادات اقتصادية، فإن القيادات العليا في الجماعة استخدمت حسابات وشركات واجهة لإجراء تحويلات مالية ضخمة إلى جمعية القرض الحسن وأيضًا إلى أسواق العقارات في الضاحية الجنوبية لبيروت وغيرها من مناطق نفوذ حزب الله.
العقارات: الوجه الآخر للاستثمار الحوثي
لم تقتصر استثمارات أنصار الله على ودائع مصرفية، بل توسعت لتشمل قطاع العقارات في لبنان. وبحسب تقرير بثّته قناة "المستقبل" اللبنانية، اشترى مقربون من الجماعة عقارات بقيمة تفوق 600 مليون دولار في الضاحية وحدها، إلى جانب عقارات أخرى في أحياء فاخرة كبيروت الغربية ومنطقة الحمرا وواجهة بيروت البحرية.
وتؤكد مصادر عقارية لبنانية أن غالبية عمليات الشراء تمت بأسماء وهمية أو عبر وسطاء لبنانيين تابعين لحزب الله، لتجنب إثارة الشبهات أو الوقوع في فخ العقوبات الدولية. وارتفعت وتيرة هذه الاستثمارات مع تصاعد الضغوط السياسية والاقتصادية على الجماعة داخليًا، وحرصها على تأمين ملاذات آمنة لثروات قادتها.
الضربات الإسرائيلية والحظر المصرفي: تبخر الأصول
عام 2023، صعّدت إسرائيل من عملياتها ضد البنية المالية لحزب الله، مستهدفة عدة فروع لجمعية القرض الحسن. وقد تضررت بعض المقرات بشكل مباشر، ما تسبب في شلل مؤقت لنشاط الجمعية. ومع حلول يوليو 2025، وجه البنك المركزي اللبناني ضربة قاصمة بإصداره تعميمًا يحظر التعامل مع الجمعية ويجمد أنشطتها بالكامل.
هذه التطورات أغلقت فعليًا القنوات التي اعتمدت عليها الجماعة لإدارة أموالها في الخارج، وأدت إلى ضياع ملايين الدولارات المودعة هناك. وقد أكدت مصادر مالية مطلعة أن استثمارات أنصار الله في لبنان أصبحت "أموالاً مجمدة" لا يمكن تحريكها، في ظل الضغط الدولي على النظام المالي اللبناني وتجريم التعامل مع أي كيان له صلة بحزب الله.
أزمة سيولة داخلية وانكشاف مالي
أدى هذا التجميد المفاجئ للاستثمارات الخارجية إلى أزمة سيولة حادة في مناطق سيطرة الجماعة، انعكست في تصاعد الجبايات، وفرض رسوم جديدة على الخدمات والتجار، ومحاولات للبحث عن تمويل داخلي بديل عبر أدوات مثل "السندات العامة" التي أعلنت عنها وزارة مالية الجماعة مؤخرًا.
وتقول مصادر مصرفية إن الجماعة تواجه اليوم مأزقًا مزدوجًا: اختناق خارجي بعد تجميد أموالها في لبنان، وتراجع داخلي في الإيرادات نتيجة الاستنزاف المتواصل وتآكل الثقة بين المجتمع المحلي والمنظومة الحاكمة. ويؤكد خبراء أن الجماعة لم تعد قادرة على تمويل إنفاقها العسكري والإداري كما في السابق، ما اضطرها إلى التعهد بتسديد ديون المواطنين على مدى 17 عامًا قادمة في محاولة لامتصاص الغضب الشعبي.
تكشف قصة استثمارات أنصار الله في لبنان عن استراتيجية مالية مركبة، اعتمدت على التحايل على الرقابة الدولية، وتوظيف أدوات حزب الله المالية لحفظ الثروات التي راكمتها الجماعة خلال الحرب. لكن هذه الاستثمارات – التي خرجت من جيوب اليمنيين – اصطدمت أخيرًا بجدار السياسة الدولية والحرب، لتتحول من "شبكة أمان" إلى مصدر خطر وانكشاف مالي قد يلعب دورًا في إعادة تشكيل قواعد اللعبة داخليًا.