غرد المغردون وأحجر المحجرون كلا على طريقته، سواء في صالة العرس أو في مواقع التواصل الاجتماعي. استغرق الحدث مساحات كبرى وسجالات مرهقة حضرت فيها كل النزعات العصبوية مع أو ضد. حضرت القبيلة والمشيخ والإمامة والعصبيات والاحتشادات والاصطفافات وانصبت كلها تعليقات على الحدث: "بكيل وحاشد تجتمعان في عرس ثوري ضد هاشمية حاكمة".
قلة فقط هم الذين وقفوا يتأملون بصمت ما الذي يحدث وما الذي حدث في عرس ثلاثة شبان اعتبر رمزا لالتحام القبيلتين حاشد وبكيل واتحادهما معا لتمنحا للشعب قرار الخلاص.
عرس يمكن أن يحدث في كل يوم، حتى ترديد النشيد الوطني في الصالة لم يكن حكرا على عرس ابن الأحمر، بل يكاد يكون قد أصبح عادة متبعة في صالات العاصمة صنعاء منذ حين. الحشد كذلك ليس معيارا للالتفات بهذا الشكل إلى الحدث، فبإمكان يوتيوبر كالمومري مثلا أن يحشد هو الآخر آلافا مؤلفة إلى عرسه، وأن يحضر فيه شخصيات ذات مستوى كبير هو أيضا. فلماذا حمل عرس ابن الأحمر كل هذه الدلالات، وما دلالة تلك الدلالات في نهاية الأمر؟!
بحسب المغردين المتحمسين للحدث، فإن الحشد رسالة واضحة من مختلف القبل اليمنية إلى أنصار الله مفادها أن هناك استياء واضحا ونفورا كبيرا منهم أصبح هو الواضح والبين من تفاعل الناس مع مناسبات اجتماعية وتحويلهم لها إلى رسائل سياسية مبشرة بالخلاص من سلطة أنصار الله، مشيرين إلى أن الرسالة وصلت إلى عبد الملك الحوثي قبل غيره.
المغردون أصحاب هذه الرؤية نذروا حساباتهم منذ أمس للوقوف طويلا عند مقاطع وصور العرس وما يحمله ذلك من دلالات ضد سلطة الحكم، مشيدين بالقبيلة ودورها كمنقذ من "هاشمية إمامية" عادت من جديد لتفتك باليمنيين.
رد عليهم مغردو وناشطو أنصار الله بأن حضور عضو المجلس السياسي الأعلى محمد علي الحوثي صالة العرس مسلما على العرسان ومتصورا معهم كان كافيا للقول بأن الوفاق موجود بين القبيلة والسلطة الحاكمة منذ وقت بعيد، وبالتالي لا منقذ لكم أيها المتفائلون.
قلة فقط رأوا مشهدا مخيفا في كل ما حدث، وفي رؤية هؤلاء وهؤلاء على حد سواء، معتبرين أن أي حديث عن خلاص قد يأتي من القبيلة كمفهوم وكبنية ليس أكثر من ارتداد وانتكاسة إلى الوراء.
والمخيف أكثر بحسبهم أن أكثر المتحمسين والمبشرين بدلالات الحدث هم من المنادودين بالمدنية وبالدولة ما بعد الحديثة. وأن يجد هؤلاء في العنوان القبلي ملاذا للتحرر من سلطة يرونها استبدادية ماضوية فتلك هي الانتكاسة الكبرى، حيث الإمامة والقبيلة هما ركيزتا تلك الماضوية بامتياز.
فالقبيلة دائما بحسبهم، ومن خلال تجارب قديمة وحديثة، هي التي تلتف على مشاريع التحرر الحقيقية وتعيد إنتاجها بما يضمن مصالحها ويكرس تاريخيتها أكثر فأكثر، وبالتالي هي والإمامة في نهاية المطاف وجهان لعملة واحدة.