تتجه سلطة صنعاء لاستهداف العمل النقابي من خلال اللوائح التي تصدرها استنادًا إلى القرارات التي أصدرها المجلس السياسي الأعلى لإعادة هيكلة الوزارات وتحديد مهامها واختصاصاتها.
وحصل “النقار” على لائحة إدارة وتنظيم عمل محطات نقل الركاب بين المحافظات، الصادرة تحت توقيع وزيري الداخلية والنقل والأشغال العامة، والتي بموجبها أصبح لمحطات نقل الركاب بين المحافظات هيكل تنظيمي موزع بين الوزارتين، بعد أن كانت تديرها نقابة النقل والمواصلات.
وبموجب المادة (5) من اللائحة الصادرة عن وزيري الداخلية والنقل في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، يتكون الهيكل التنظيمي لمحطات نقل الركاب بين المحافظات من مدير للمحطة يمثل الهيئة العامة لتنظيم شؤون النقل البري، ونائب المدير يمثل الإدارة المعنية بالنقل في وزارة الداخلية، ورئيس قسم المرور، وقسم الحركة، وقسم الخدمات.
ويتضح من هذه المادة أن إدارة محطات نقل الركاب ستنتزع من نقابة النقل والمواصلات، والتي سبق أن تنازعت عليها مع وزارة النقل قبل سنوات، وصدر لصالح النقابة فتوى من وزارة الشؤون القانونية أكدت حق النقابة.
وأكدت فتوى وزارة الشؤون القانونية الصادرة في 30 يونيو/حزيران 1997 أن إدارة “الفرزات” (محطات نقل الركاب) حق للنقابة، وليس لوزارة النقل، وأن الرسوم التي يحق لوزارة النقل تحصيلها نوعان: الأولى وهي المفروضة بقوانين، وتلك التي فوضت الوزارة أو وحداتها بتحصيلها وفقًا للمادة (6) من اللائحة التنفيذية لقانون تحصيل الأموال العامة، والثانية رسوم الخدمات التي تقدمها وزارة النقل ووحداتها الإدارية المختصة. وبيّنت الفتوى أن الرسوم التي يُستند في تحصيلها إلى أنظمة النقابة تظل حقًا للمفوضين بتحصيلها من قبل النقابة
وتكشف اللائحة الجديدة أن هدف السلطة يتجه إلى السيطرة على محطات نقل الركاب بين المحافظات لتحقيق عدد من الأهداف، منها استخدام تلك المحطات لأغراض استثمارية، وتحقيق أهداف أمنية، واحتكار عملية نقل الركاب.
وأفردت اللائحة فصلًا للاستثمار في محطات نقل الركاب، حيث أعطت المادة (9) لهيئة تنظيم شؤون النقل البري والإدارة العامة للمرور حق تحديد وسائل نقل الركاب المطلوب إنشاؤها والمواصفات الفنية والاشتراطات المطلوبة، بحيث تكون الأولوية لمؤسسات الدولة القادرة على الاستثمار.
وأكدت المادة (10) على تشكيل لجنة مشتركة من هيئة تنظيم النقل البري والإدارة العامة للمرور لتحديد محطات نقل الركاب المطلوب الاستثمار فيها، والإعلان عنها، واستقبال الطلبات.
ويتضح من المادتين أن سلطة صنعاء لا تهدف فقط لإزاحة نقابة النقل والمواصلات من إدارة المحطات، وإنما لاستهداف السائقين ووسائل النقل التي تعيش منها أسرهم، من خلال تحديد مواصفات وسائل النقل، ما يعني تأجير المحطات لمستثمرين، واستبعاد السائقين ومركباتهم التي تعمل في المحطات.
يقول عبد الحميد محمد، سائق: “الجماعة معهم أسطول من الحافلات جاهز ليحلوا محلنا، وعلى حساب قوت أسرنا”.
وتؤكد المادة (14) من اللائحة على منع خروج أي وسيلة نقل تحمل ركابًا إلا بتصريح مرور من إدارة المحطة، وهو ما يؤكد عملية الاحتكار، والذي يعني منع أي وسائل نقل للركاب من غير المسجلة لدى المحطة، عوضًا عن البعد الأمني المتمثل بمعرفة هويات المسافرين أو المتنقلين بين المحافظات.
كما منحت اللائحة صلاحيات مطلقة لرئيس هيئة النقل البري بإصدار أي تعليمات لم تنص عليها اللائحة، ما يشير إلى توجه السلطة للسيطرة الكاملة على عملية تنقل الركاب بين المحافظات.
ومن خلال المهام والاختصاصات التي منحتها اللائحة لمسؤولي المحطة، يتضح أن سلطة صنعاء تريد السيطرة على محطات نقل الركاب لإيجاد قاعدة بيانات أمنية حول المتنقلين بين المحافظات والمدن، ونوعية الأمتعة التي ينقلها المسافرون. ويتضح ذلك من المادة (7) التي وضعت اختصاصات لنائب مدير المحطة، والذي يمثل وزارة الداخلية، في حين أن المتعارف عليه أن النائب يتولى القيام بمهام المدير في حال غيابه. لكن هذه اللائحة أعطته مهام المسؤول الأول عن قاعدة بيانات الركاب والمسافرين في النظام الموحد، وحق التشييك والمطابقة على المسافرين، وأمتعتهم، والأمتعة المنقولة عبر وسيلة النقل، وهي مهام تتجاوز مهام مدير المحطة.
يقول عبد الصمد علي، يعمل في إحدى “فرز” نقل الركاب: “إذا مرت هذه اللائحة، فإن الراكب لن يسافر حتى يتم تفتيشه، وربما يتم استجواب البعض في الفرزات أو ينقلوا إلى أقسام الشرطة للتحقيق إذا تم الشك بهم، أو الإبلاغ عنهم”.
وأعطت اللائحة لوزارة الداخلية حق إدارة محطات نقل الركاب، مع أن عملية نقل الركاب جانب خدمي، وأي مهام أمنية مرتبطة بالتفتيش والملاحقة تنفذها النقاط الأمنية المنتشرة على الطرقات.
يقول سائق فضل الإشارة لاسمه بـ”الرحال”: “إن اللائحة ستحول فرزات نقل الركاب إلى أقسام شرطة، فلا تستغربوا إن وجدتم سجونًا في الفرزات مستقبلًا”.
وتطبيق هذه اللائحة سيؤدي إلى تصفية نقابة النقل ليس من خلال انتزاع إدارة الفرزات منها، وإنما من خلال تصفية السائقين ومركباتهم، وحكر النقل على مستثمرين أو شركات أو جهات تتبع السلطة، وهو ما سيؤدي إلى قطع أرزاق السائقين والأسر التي يعيلونها، فضلًا عن كونه مؤشرًا لتوجه السلطة نحو استهداف العمل النقابي.