يحز في نفس المواطن اليمني أن يجد نفسه وهو يقرأ إعلان حزب الله اللبناني عن بدء صرف التعويضات للمتضررين في كل منطقة من لبنان طالها العدوان الإسرائيلي، فيسأل: ترى كم الفارق بيننا وبينهم؟!
بطبيعة الحال هو يقصد الجماعة التي تدعي أنها في خانة واحدة مع ذلك الحزب، والتي وجدت نفسها قد أصبحت سلطة حاكمة دون أن يكلفها ذلك شيئا من مسؤولية تجاه الناس الذين تحكمهم.
لا شك أن سلطة صنعاء قرأت الإعلان هي أيضا، والذي جاء هكذا: "إلى أشرف الناس.. ابتداءً من الغد يبدأ حزب الله بصرف التعويضات المالية للمتضررين بشكل تدريجي، على أن يكون قبل نهاية هذا الشهر قد سدّد كل المستحقات العائدة للمواطنين الشرفاء"، دون أن يكلفها ذلك شيئا من حياء وخجل بأنه وهو حزب يجد نفسه ملتزما بمسؤوليته تجاه مواطنيه ومتعهدا بتعويض كل فرد منهم.
هكذا التزام، وبعد أيام فقط من سريان هدنة الستين يوما، لا شك أن سلطة صنعاء ستجد نفسها في معرض الإشادة به، باعتباره صادرا من حزب يمثل معها الجبهة ذاتها، وقد يخرج نصر الدين عامر منتفخا كالطاووس لشرح أبعاده وحيثياته وبأنه يأتي منسجما مع مواقف حزب الله المعهودة تجاه شعبه وبيئته، أما جماعته ومواقفها "المعهودة" تجاه شعبها وبيئتها فلا تحتاج من عامر ولا من غيره الوقوف عندها، فهي خارج كل المقارنات.
الحديث هنا ليس للإشادة بحزب الله أو بموقفه ذاك، بقدر ما أن الفارق واضح كل الوضوح بين جماعة ضربت بجوع الناس ومعاناتهم وآلامهم عرض الحائط ولم تقدم لهم شيئا سوى المزيد من الخسارات والألم. فبالرغم من كل الخسارة المادية والمعنوية والضربات القاسية التي مني بها، يخرج أمينه العام متعهدا بتعويض الناس وصرف مبلغ أولي قدره أربعة عشر ألف دولار لكل شخص تهدم منزله، ثم لم يكد يمر أسبوع حتى يتم البدء بصرف التعويضات.
حزب لا ينسى في كل أدبياته وخطاباته أن يظهر امتنانه للناس على كل التضحيات التي يقدمونها، وسلطة تأتي كل يوم لتمن على الناس بأنها هبة الله العظمى التي منحتهم كرامة لم يكونوا يستحقونها، وبالتالي عليهم أن يفرحوا بتلك "الكرامة" ويشكروا الله عليها صبحا ومساء.
حزب لم يجده الناس يقول لهم يوما اذهبوا والتمسوا تعويضاتكم من الدولة اللبنانية أو من العدو الإسرائيلي، بينما هي، وهي السلطة الحاكمة التي في يدها كل شيء، تقول مثل هذا وأكثر، ولا تستحي أن تردده على مسامع الناس كل يوم، بحيث أصبح كل من يطالبها بأدنى حقوق له عليها كالمرتبات مثلا عميلا وخائنا ومنافقا ومرجفا وما إلى ذلك من تهم.
حزب بلغ به الضرر أقصى مبلغ له ومازال الإسرائيلي يتربص به الدوائر، ومع ذلك لم يمنعه وضعه البالغ الصعوبة ذاك من الوفاء بالتزاماته، وهي سلطة امتصت الأخضر واليابس طيلة عشر سنوات واستمرأت جوع الناس ومعاناتهم وآلامهم وخاضت حروبها وهدنها بمعنى أو بدون معنى، ومع ذلك لا تشعر بأدنى التزام أو مسؤولية تجاه من تحكمهم. فليمت من يموت وليجع من يجوع وليذهب إلى الجحيم من يذهب.