النقار | خاص | تقرير: أنس القباطي
أدت الحرب في اليمن إلى ضرب التنوع الإعلامي في مقتل، والذي كان قد تشكل خلال السنوات التي تلت تحقيق الوحدة اليمنية في 22 مايو/آيار 1990م.
وبسبب الحرب توقفت عشرات الصحف والمواقع الإخبارية، وعدد من القنوات التلفزيونية الأهلية، نتيجة لانعدام التمويل والتضييق على الحريات، وسيادة الصوت الواحد.
كانت أغلب وسائل الإعلام الأهلية قبل الحرب تصدر من العاصمة صنعاء، حيث كانت تصدر منها 36 صحيفة ومجلة أهلية، منها 21 صحيفة ومجلة منتظمة الإصدار يوميًا وأسبوعيًا، ونصف شهرية وشهرية، وتقع فيها مقرات ست قنوات تلفزيونية أهلية، و32 من المواقع الإخبارية الأهلية (كتاب الإحصاء السنوي 2013، المركز الوطني للمعلومات).
ومع اندلاع الحرب في نهاية مارس/آذار 2015، توقف إصدار الصحف الأهلية والحزبية الصادرة من صنعاء، وهو ما حصل في باقي المدن. نُقلت مقرات القنوات التلفزيونية الأهلية إلى الخارج، وتوقفت الكثير من المواقع الإخبارية، نظرًا لمناخات الحرب التي طغى صوتها المتوشح بالبندقية على غيره من الأصوات.
سنقصر هذا التقرير على الحديث عن واقع الإعلام في جغرافيا سيطرة سلطة الأمر الواقع بصنعاء بعد عشر سنوات من اندلاع الحرب.
أصبح الإعلام في صنعاء مقتصرًا على الإعلام الرسمي وإعلام حركة أنصار الله، وصحيفة وقناة للمؤتمر الشعبي العام جناح صنعاء.
توجد في صنعاء حاليًا 4 قنوات تلفزيونية رسمية، وثلاث قنوات تتبع سلطة الأمر الواقع، وقناة تتبع المؤتمر الشعبي العام. أما الصحف الرسمية فلم يعد منها سوى صحيفتين منتظمتا الصدور، وثلاث صحف أخرى تتبع سلطة الأمر الواقع أو تدور في فلكها، وصحيفة للمؤتمر، وعشرات المواقع الإخبارية أغلبها تتبع السلطة أو مرتبطة بها، وقليل من المواقع المستقلة التي تعاني من التوقفات المستمرة.
كما لم يتبقَ سوى خدمتين للرسائل الإخبارية النصية القصيرة تتبعان وكالة سبأ وصحيفة 26 سبتمبر الحكوميتين، بعد أن كانت قبل اندلاع الحرب 8 خدمات إخبارية.
إلى جانب إذاعة صنعاء توجد حاليًا 26 إذاعة FM، منها أربع إذاعات مجتمعية (علي الموشكي، رئيس شبكة الإذاعات المجتمعية، موقع أي جينت، 10 يوليو/تموز 2019)، وأغلبها تتبع سلطة الأمر الواقع أو مرتبطة بها.
وإذا ما تتبعنا أداء الإعلام الرسمي سنجده يتبنى نفس خطاب سلطة الأمر الواقع، وهو خطاب تعبوي حربي بدرجة أساسية، يبتعد كثيرًا عن قضايا الناس، والتنوع القائم في المجتمع اليمني، وهو ما يجعل حضوره منحصراً في أوساط منتسبي السلطة ومناصريها.
تماهي خطاب الإعلام الرسمي مع خطاب السلطة إلى حد كبير يجعل الفوارق بينهما ضئيلة، مما يؤدي إلى عزوف المجتمع عنه، بينما يتجه مناصرو السلطة نحو إعلامها الخاص والإعلام المرتبط بها.
يقول أديب محمد، موظف في قطاع خاص ومقيم في صنعاء، إنه لم يعد يشاهد القنوات الرسمية التي تبث من صنعاء منذ ثمان سنوات، وإذا أراد متابعة الأحداث المحلية فإنه يتابعها عبر قناة المسيرة. ويؤكد علي الريمي، موظف سابق في منظمة تعمل في مجال الإغاثة، أنه لم يشترِ الصحف منذ العام 2016، فيما لا يستمع إلا للإذاعات التي تبث أغاني.
وتراجع جمهور الصحافة الورقية الرسمية في صنعاء بشكل مهول، حيث لم يبقَ منها غير صحيفتي "الثورة" و"26 سبتمبر"، وقد قلصتا عدد صفحاتهما، ولم يتبقَ من كوادرهما سوى القليل، خاصة بعد توقف المرتبات.
يقول مالك أحد الأكشاك في صنعاء، فضل عدم نشر اسمه، إنه يبيع في الأسبوع بين 15 إلى 20 من الصحف الرسمية، بعد أن كانت مبيعاته قبل الحرب تتجاوز 200 نسخة.
انعكس غياب الصحف الأهلية سلبًا على أكشاك بيع الصحف بشكل رئيسي، فأغلقت بعضها، وتحول نشاط بعضها الآخر إلى بيع مواد الكهرباء وإكسسوارات الهواتف وشحن باقات الاتصال والإنترنت وأنشطة أخرى.
ويُعد كشك جمال جميل الكائن في ميدان التحرير، والذي صار اليوم مغلقًا، شاهدًا على موت الصحافة في صنعاء، بعد أن كان من أشهر أكشاك الصحف، إن لم يكن أشهرها.
وصارت صنعاء اليوم عاصمة بدون صحف، وعلى الرغم من أن الصحافة الإلكترونية أثرت كثيرًا على جمهور الصحافة الورقية، إلا أن ذلك لا يعني أن تموت الصحافة الورقية، وإنما ينبغي أن تظل صحافة أكثر نخبوية ومهنية، تعمل على توجيه وعي المجتمع، لأن الصحافة الإلكترونية ما تزال تجربتها حديثة، ومحتواها تنقصه المهنية، وكادرها أقل خبرة وتجربة.
ويرى نبيل أحمد محمد، الذي كان يعمل مراجعًا لغويًا في صحف توقفت حاليًا، أن غياب الصحافة الورقية أثر كثيرًا في موثوقية المعلومات التي يتلقاها الناس، لأن أغلب ما يُنشر في الصحافة الإلكترونية ليس أكثر من حرب إعلامية، وتسريبات تقابلها تسريبات مضادة، تفتقر لمصداقية المعلومات.
مثلت الصحف الأهلية خلال العقود الثلاثة الماضية متنفسًا للناس لعرض قضاياهم المجتمعية، ورافعة لمكافحة الفساد، وظلت مرتبطة بالناس وقضاياهم، وأكثر رواجًا من الصحافة الرسمية الملتزمة بخطاب السلطة وتوجهاتها. بذلك، لعبت دورًا مهمًا في لفت نظر السلطة لكثير من القضايا، وأفشلت كثيرًا من صفقات الفساد، وساهمت في تشكيل وعي حقوقي مجتمعي.
وهذا لا يعني أن حرية الصحافة قبل الحرب كانت في أعلى مستوياتها، فقد تعرضت صحف أهلية وحزبية لمضايقات من أجهزة السلطة، وطالت الانتهاكات والمضايقات عشرات الصحفيين، ووصلت حد السجن. إلا أن المناخ العام كان مشجعًا لتوسع الصحف، نظرًا لوجود تعددية سياسية أتاحت هامشًا للصحافة في تقديم خطاب مختلف عن خطاب السلطة.
والواقع أن موت السياسة هو موت للصحافة، لأن الصوت الواحد لا يتيح الفرصة لظهور الأصوات الأخرى، وفي ظروف الحروب لا يظهر إلا الخطاب التعبوي والتحريضي. لكن الحرب في اليمن طالت سنواتها، ولم تعد المرحلة حربًا خالصة، أو سلامًا دائمًا، وإنما مرحلة انتقالية بين المرحلتين، مما يستوجب تغيير الخطاب الإعلامي الرسمي، وإعطاء مساحة للمجتمع لعرض قضاياه والتعبير عن همومه وتطلعاته. ولن يتم ذلك إلا عبر منابر إعلامية توصل رسائل الناس إلى السلطة.
ومع غياب الصحافة الأهلية، وجد الناس أنفسهم بلا منابر تعبر عنهم وتوصل أصواتهم إلى السلطة، لأن الصحافة الورقية معروفة بمكاتبها وشخوصها، بعكس الصحافة الإلكترونية التي تعمل أغلبها في الواقع الافتراضي.
ولهذا السبب، لجأ الناس للبحث عن منابر أخرى لإيصال أصواتهم، فوجدوا ضالتهم في وسائل التواصل الاجتماعي، إما بفتح حسابات على هذه المواقع، أو اللجوء إلى مشاهير السوشيال ميديا لعرض قضاياهم، بهدف تشكيل رأي عام ضاغط على أجهزة السلطة للتفاعل مع قضايا الناس. غير أن هذه المنابر الجديدة لم تملأ الفراغ الذي تركته الصحافة الورقية، التي تقنن النشر، وتتناول قضايا الناس بمهنية، مقارنة بما يتم عرضه في الصحافة الإلكترونية ومنصات التواصل الاجتماعي.
ولمواجهة هذه المنابر الجديدة، لجأت السلطات إلى استخدام جيوشها الإلكترونية التي تشكلت خلال سنوات الحرب كجزء من الحرب الدعائية النفسية، للرد على ما ينشر من قضايا الفساد والانتهاكات، وتحويلها إلى مجرد مناكفات تبعدها عن السير نحو طريق المعالجة.
وكان الأجدر بالسلطات فتح الباب أمام عودة الصحافة الأهلية، لتبني قضايا الناس، بدلاً من اللجوء لمواجهة ما يُنشر من قضايا عبر الجيوش الإلكترونية التي تتعاطى مع قضايا الناس من بوابة التوجس والتخوين، مما يشعرهم أن أبواب السلطة موصدة في وجههم.
وتقف اليوم أمام وزارة الإعلام في صنعاء تحديات كبيرة، أبرزها إعادة توجيه الخطاب الإعلامي الرسمي بما يتوافق مع المرحلة، وبما يؤدي إلى تبني خطاب إعلامي متصالح مع المجتمع، وأكثر انفتاحًا على قضاياه وهمومه.
تبدو وزارة الإعلام في صنعاء ومؤسساتها وكأنها تابعة للهيئة الإعلامية لأنصار الله، وبدلاً من أن تصبح الوزارة مشرفة على الأداء المهني لوسائل الإعلام، تحولت إلى جهة معنية بتنفيذ سياسات رُسمت لتنفذها، مما جعلها بعيدة عن الأهداف التي تعمل عليها وزارات الإعلام في كل بلدان العالم.
ويكاد كادر وزارة الإعلام، الذي تم إعداده وتدريبه لعقود، أن يتلاشى، فغالبية موظفي الوزارة ومؤسساتها صاروا اليوم من عناصر الهيئة الإعلامية لسلطة الأمر الواقع، وكثير منهم بحاجة إلى الإعداد والتدريب والتأهيل.
وخلال سنوات الحرب، تعطل دور الوزارة في منح التراخيص لوسائل الإعلام، الذي كان منصبًا بدرجة رئيسية على الصحف، لأن السلطة لم تعد تسمح بإصدار الصحف.
وأفاد مصدر مطلع في النقار أن ثلاث طلبات لإصدار صحف قدمت لوزارة الإعلام بصنعاء خلال العام 2017، لكن لم يتم البت فيها نظراً للصراع الذي نشب حينها، وانتهى بأحداث 2 ديسمبر/كانون الأول 2017.
وأكد مصدر في الوزارة للنقار أن بعض الصحف التي كانت تصدر من صنعاء جددت تراخيص إصدارها، وبعضها سعى لتجديد التراخيص، خلال الفترة من نهاية العام 2016 وحتى أغسطس/آب 2017، لكنها لم تصدر أعدادًا جديدة.
وبين المصدر أن أربع صحف جددت تراخيصها بالفعل، فيما سبع صحف كانت قد شرعت في بدء إجراءات التجديد.
وأكد المصدر أنه منذ العام 2018 وحتى الآن، لم يقدم سوى طلبي إصدار صحف، إحداهما صدر منها أعداد قليلة ثم توقفت، والأخرى لم تستكمل إجراءات منح الترخيص.
وبالمقابل، عملت الوزارة خلال سنوات الحرب على إصدار تراخيص لإذاعات FM، وغالبها تتبع جهات رسمية وقيادات في السلطة، إلى جانب إذاعات أخرى ليس لها علاقة بالسياسة، وسياستها مقتصرة على الجوانب الفنية والاجتماعية والترفيهية، ومع ذلك تخضع للرقابة المستمرة على أنشطتها ومواردها المالية.
وإذاعات FM البعيدة عن السياسة لم تساهم في ملء ولو جزء ضئيل من الفراغ الذي تركته الصحف الأهلية فيما يتعلق بتبني قضايا الناس، نظرًا لطبيعة تخصصها، وعدم إتاحة الفرصة لها من قبل السلطة.
ومثلها الإذاعات التابعة لسلطة الأمر الواقع، أو تلك التي تدور في فلكها، فهي لا تعمل إلا وفق توجهات السلطة وخطابها، وقضايا الناس لا تدخل في قائمة اهتمامها.
يقول إعلامي كان يعمل في إذاعة صنعاء قبل الحرب، فضل عدم الكشف عن اسمه، إن المحتوى الذي تقدمه إذاعات FM لا يرتقي إلى تقديم رسالة مجتمعية، نظرًا لافتقار تلك المحطات للكادر المدرب والمؤهل سواء في الإعداد أو التقديم أو الإخراج.
ويعتقد أن تكاثر عدد إذاعات FM التابعة للسلطة، وهي نسخة من بعضها، هدفه السيطرة على كامل الطيف الترددي، بما يؤدي إلى إعاقة فتح أي إذاعات مستقبلًا لأطراف أخرى، أو التقليل منها.
والمتتبع لبرنامج حكومة الرهوي المقدم للبرلمان سيجد غياب السياسة الإعلامية، كما هو حال الحكومة السابقة، ما يعني غياب الرؤية الإعلامية للحكومة، والذي يبدو أنه أنيط بالهيئة الإعلامية لسلطة الأمر الواقع.
وفي برنامج الحكومة (نشرته وكالة سبأ يوم 18 أغسطس/آب 2024) وردت فقرات متفرقة تتحدث عن الجانب الإعلامي، وليس عن السياسة أو الرؤية الإعلامية، موزعة بين محور تعزيز الصمود في مواجهة العدوان ومعالجة آثاره، ومحور السياسة الداخلية والخارجية.
وتضمن برنامج الحكومة في المحور الأول تكثيف التوعية من خلال الرسالة الإرشادية العليا المستندة على الأسس الشرعية والمبادئ الوطنية بأهمية تماسك وتلاحم الجبهة الداخلية، وتعزيز التضامن الاجتماعي في مواجهة العدوان وجرائمه، وفضح جرائم الإبادة الجماعية في فلسطين، وتوضيح الموقف الثابت في دعم المقاومة والجهاد، وبث الأمل والتسامح والتعايش والتراحم والتكافل بين شرائح وأفراد المجتمع.
وهذه الفقرات تعد بمثابة جوانب ثقافية أكثر منها سياسة إعلامية، لأن السياسة الإعلامية تقتضي تقديم رؤية لتفعيل وسائل الإعلام وتحديث بنيتها، والارتقاء بخطابها.
وفي محور السياسة الداخلية والخارجية، أكد البرنامج على تنسيق وتفعيل الدور الإعلامي للجمهورية اليمنية في المرحلة القادمة من خلال عدد من التوجهات، من أبرزها إحداث نقلة في صناعة الإعلام اليمني تواكب التطورات في مجال الإعلام، وترسيخ الهوية الإيمانية لدى المجتمع، لتقوية ارتباطه بانتمائه الأصيل للإسلام وقيمه العربية اليمنية.
ومن ضمن التوجهات رفع مستوى الوعي لدى المجتمع في مواجهة أنشطة التضليل في مختلف الجوانب، وتعزيز العلاقة الإيجابية بين المجتمع والقيادة والحكومة.
وشملت التوجهات تقديم صورة إيجابية عن اليمن قيادة وشعباً وتاريخاً وحضارة، وإعداد وتنفيذ مشاريع ثقافية وطنية جامعة لمواجهة العدوان ومعالجة آثاره، وتوضيح وبيان موقف البلاد الديني والأخلاقي والإنساني المشرف بمساندة الشعب الفلسطيني.
وتضمن تطوير وتحفيز دور الشباب ثقافيًا، ومراقبة المحتوى الإعلامي للحد من تأثير المحتويات التي تتعارض مع الهوية الإيمانية للشباب اليمني وتعزيز الوعي بمخاطر استهدافهم.
وكل هذه التوجهات التي تضمنها البرنامج في جزئية السياسة الداخلية من محور السياسة الداخلية والخارجية هي جوانب ثقافية إجرائية في معظمها، تساير التوجه الإيديولوجي للسلطة.
وبذلك لم يتطرق البرنامج إلى تحديث السياسة الإعلامية للحكومة، التي تغيرت من إنقاذ إلى بناء وتغيير، وهو ما يتطلب سياسة إعلامية تهدف إلى تجاوز تداعيات وآثار الأوضاع التي مرت بها البلاد خلال السنوات الماضية، بما يؤدي إلى التهيئة للانتقال إلى المهام الجديدة المرتبطة بالبناء والتغيير.
ولأجل تنفيذ مهام الحكومة الجديدة، لابد من تحديث السياسة الإعلامية والخطاب الإعلامي، لتهيئة المجتمع لتفهم طبيعة المهام الموكلة للحكومة، وهذا يتطلب من وزارة الإعلام.
وتقتضي مهام الحكومة الجديدة، التي جاءت كمرحلة أولى من مراحل التغيير الجذري، تقديم رؤية إعلامية تعلي قيم الالتزام بالنظام والقانون ومكافحة الفساد، والارتقاء بدور ووظائف الإعلام البنّاء، وإعطاء القضايا التي تهم المجتمع مساحة في الإعلام الرسمي، بما يؤدي إلى إيصال أصوات الناس إلى أصحاب القرار.
ويقتضي الواقع والضرورة الملحة أن تقوم وزارة الإعلام بإجراء إصلاحات وإعادة تنظيم لوسائل الإعلام الرسمي، بما يؤهلها لتقديم خطاب إعلامي يتماشى مع سياسة ورؤية إعلامية لإيجاد علاقة تفاعلية بين الإعلام الرسمي والمجتمع، بما يجعل المجتمع رديفًا للحكومة في تنفيذ خطتها في مجالات التنمية والتخطيط وغيرها من الجوانب التي وردت في برنامجها، وتقتضي المشاركة المجتمعية.
وإلى جانب ذلك، ينبغي وضع رؤية للتحول التدريجي للإعلام الرسمي من إعلام حربي بحت إلى إعلام مجتمعي، من خلال تخصيص بعض وسائل الإعلام أو بعض البرامج للتفاعل مع قضايا المجتمع، والتخفيف من الخطاب العصبوي والطائفي، لصالح الخطاب الوطني.
وتقتضي المرحلة أن يساهم الإعلام الرسمي في توعية المجتمع بكثير من الجوانب الصحية والثقافية والبيئية، وتخصيص مساحة توعوية بالكوارث الناجمة عن التغيرات المناخية، والأنشطة التي تؤثر على البيئة وغيرها.
ولابد من وضع خطة إعلامية تساهم في الانفتاح على الإعلام الأهلي، والعودة التدريجية للصحافة الأهلية، لما لها من دور في تخفيف الاحتقان المجتمعي، ولفت نظر الأجهزة الرسمية للأخطاء والسلبيات.
وتقتضي المرحلة عودة تدريجية للصحف والمجلات المهتمة بالجوانب الثقافية والإبداعية والاجتماعية والبيئية، باعتبارها منابر للمبدعين والموهوبين لنشر إنتاجهم، وخلق حالة من الحراك الثقافي في المجتمع، فضلاً عما توفره من فرص عمل للشباب.
وينبغي أن تركز وزارة الإعلام على إيلاء الاهتمام بالمؤسسات الإعلامية وكوادرها، بدلاً من الاهتمام بالفرق والجيوش الإلكترونية التي تقدم خطابًا عصبويًا طائفيًا وتحريضيًا على وسائل التواصل الاجتماعي، لأن الإعلام قبل أن يكون رسالة هو مؤسسات تعمل وفق سياسة إعلامية وطنية منضبطة، في حين أن ضبط الخطاب الإعلامي وتوجيهه لن يتم إلا عبر المؤسسات الإعلامية.
وتقول وزارة الإعلام بصنعاء إنها تناقش خطط الوزارة والمؤسسات التابعة لها، وتصورات للأولويات العاجلة وآليات تنفيذها.
وعقدت قيادة الوزارة اجتماعًا مع قيادات المؤسسات الإعلامية التابعة لها، لمناقشة الأولويات العاجلة للوزارة والمؤسسات الإعلامية، في إطار توجه للوزارة تهدف من خلاله إلى أن يلمس المواطنون سرعة وفاعلية حكومة التغيير والبناء لتحسين الأداء الحكومي والخدمات.
وشُكلت لجنة برئاسة نائب الوزير وعضوية قيادات المؤسسات الإعلامية لاستيعاب الخطط والتصورات، وبلورة المناسب منها، وما يمكن تحقيقه في خطة موحدة لرفعها إلى مجلس الوزراء (وكالة سبأ، 31 أغسطس/آب 2024).
وفي هذا السياق، قال وزير الإعلام هاشم أحمد شرف الدين إن هناك أولويات يمكن أن تنفذ بشكل سريع وواضح، بما يحقق نتائج ملموسة على أرض الواقع، فيما هناك ما يحتاج إلى مرحلة معينة من الزمن.
وأوضح الوزير أن الأولويات العاجلة المتعلقة بالوزارة ومؤسساتها تركز على ترسيخ الهوية الإيمانية ومواجهة الحرب الناعمة، وضبط وترشيد الأداء الإعلامي ليكون إعلامًا وطنيًا هادفًا وفعالًا.
وأكد أهمية تعزيز فاعلية الإعلام الوطني من خلال إقامة علاقة إيجابية مع مكونات الجبهة الإعلامية ليكون العمل الإعلامي تكامليًا تعاونيًا هادفًا وفعالًا.
وكشف شرف الدين عن توجه لعقد لقاء موسع يضم المؤثرين على وسائل الإعلام التفاعلي والتواصل الاجتماعي والإعلاميين والأكاديميين، للخروج بوثيقة عمل وسياسات مشتركة.
ولفت إلى ضرورة ضبط الأداء الإعلامي لسد الفراغ الكبير في تنظيم العمل الإعلامي العام والخاص، الناتج عن غياب التشريعات المنظمة، من خلال مراجعة القانون الحالي، والمشاريع المقدمة للقوانين، وإعداد مشاريع القوانين واللوائح اللازمة لضبط الأداء الإعلامي والنشر على وسائل الإعلام التفاعلي والتواصل الاجتماعي.
وشدد وزير الإعلام على إجراء تقييم شامل للوزارة ومؤسساتها الإعلامية لتشخيص مكامن الخلل وأوجه القصور فيها، ووضع الحلول لمعالجتها، وتفعيل التخطيط القائم على أساس علمي، ليكون العمل الإعلامي وفق خطط مدروسة في كافة المجالات، وإنشاء مركز أبحاث وتخطيط الإعلام، وعقد برامج تدريبية لتطوير مهارات العاملين في الوزارة ووسائل الإعلام المختلفة بما يلبي احتياج العمل في هذه المرحلة.
ولفت إلى ضرورة تعزيز التعاون مع الإعلاميين والمؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي، وتشجيعهم على تقييم عناصر الرسالة الإعلامية، وتقديم المقترحات والاستفادة منها لتحسين العمل الإعلامي من خلال نافذة إلكترونية، وتحقيق انتشار واسع لرسائل الإعلام العام وإعادة نشرها على وسائل الإعلام التفاعلي والتواصل الاجتماعي من خلال إنشاء منصة التواصل الإعلامي.
وأشاد وزير الإعلام بالخطط والأفكار التي طرحتها المؤسسات الإعلامية المقروءة والمرئية والمسموعة لترسيخ الهوية الإيمانية ومواجهة الحرب الناعمة، وضبط وترشيد الأداء الإعلامي.من جانبه، أكد نائب وزير الإعلام أهمية تحديد مكامن الضعف في الوزارة والمؤسسات الإعلامية لتجاوزها وتنفيذ الأعمال والبرامج والمواد الإعلامية التي تلامس المواطنين، وإيجاد أعمال جاذبة والتجديد والحداثة والابتعاد عن العمل النمطي لجذب الجمهور إلى وسائل الإعلام.
وحث على تضافر الجهود وتزمين الخطط لتنفيذ الأعمال، وأن يكون الجميع على قدر عالٍ من الوعي والبصيرة والقدرة على تحقيق الأهداف.
وبحسب ما أوردته وكالة سبأ الرسمية، قدمت قيادة المؤسسات التابعة لوزارة الإعلام خططًا وتصورات لتنفيذ الأولويات العاجلة لتحديث المنظومة الإعلامية وتنفيذ الاستراتيجية العامة لتطوير الإعلام اليمني، وترسيخ الهوية الإيمانية للشعب اليمني ومواجهة الحرب الناعمة. وأكدوا على نشر مواد صحفية وإنتاج برامج مرئية ومسموعة متخصصة لخلق ثقافة وطنية قائمة على الهوية الإيمانية، ومواجهة أساليب الحرب الناعمة وتوعية المجتمع بمخاطرها، وإبراز نماذج إيجابية في هذا الجانب، إضافة إلى المواد الخاصة بدعم القضايا الوطنية التي تسهم في بناء الدولة وخدمة المجتمع، وتسليط الضوء على الأعمال والمبادرات الإعلامية الإيجابية المجتمعية والرسمية التي تسهم في ترشيد وبناء الإعلام ليكون وطنيًا وهادفًا وفاعلًا. وتطرقوا إلى خطط إقامة ورش عمل وتدريب للعاملين في المؤسسات الإعلامية لرفع قدراتهم ومهاراتهم في المجالات الإعلامية المختلفة، وقيم وقوانين العمل الإعلامي ومدونة السلوك الوظيفي بما يسهم في تطوير الأداء.