خاص – النقار
تقول جماعة أنصار الله إنها عملت على تحقيق الاكتفاء الذاتي من المنتجات الزراعية كالقمح والحبوب وغيرها، وحثت على تشجيع الدراسات والأبحاث التي بموجبها يمكن توسيع الزراعة والاستفادة من المحاصيل في اليمن التي تمتلك مساحات زراعية شاسعة وموقعاً جغرافياً متميزاً ومناخاً متنوعاً.
وتعبّر سلطة صنعاء عن قدرتها ليس على تحقيق الاكتفاء الذاتي فحسب، بل على إحداث فائض من المنتجات الزراعية التي يمكن تصديرها إلى الخارج، لكن دون إيضاح الآليات التي بوسعها تحقيق ذلك على أرض الواقع، مكتفيةً مراراً بالحديث عن القيمة العالية للعوامل التي تمتاز بها اليمن، هذا البلد الذي يستورد حتى الآن أكثر من 90% من احتياجاته الاستهلاكية من الخارج، وهو ما يذهب باليمنيين، وحتى المزارعين، إلى البحث وسط ما يشبه الأرض القاحلة: ما الذي تحقق حتى الآن؟
معاناة المزارعين ودعايات "الاكتفاء"
يعمل في القطاع الزراعي الشريحة الأوسع في اليمن، إذ يشتغل في الزراعة أكثر من 50% من القوى العاملة في البلاد وتمثل المصدر الأول لدخل أكثر من 73% من اليمنيين وفق البيانات المتوفرة لدى سلطة صنعاء وحكومة عبدالملك، وقد خلفت الحرب واقعاً فادحاً بالنسبة لأولئك الذين يعتمدون زراعة المحاصيل لتأمين غذائهم وغذاء أسرهم، في أوضاع أوقعت أكثر من 20 مليون شخص في دائرة الاحتياج المُلح إلى المساعدة وخطر انعدام الأمن الغذائي.
تستند سلطة صنعاء في سياسة الاكتفاء الذاتي زراعياً على أن في اليمن مساحة 5 ملايين هكتار من الأراضي الصالحة للزراعة، المزروع منها قرابة مليون ونصف المليون هكتار، من بينها 350 ألف هكتار مزروعة بالقات والخضار والفاكهة من خلال المياه الجوفية والأراضي الزراعية المروية، فيما مساحة مليون و150 ألف هكتار تُزرع زراعة مطرية.
لكن السلطة نفسها ذهبت بعيداً عن معاناة المزارعين أنفسهم وسط الظروف المعيشية الصعبة التي يواجهونها، وكذلك عن ظروفهم الزراعية وما شاب القطاع الزراعي من معوقات وخسائر مباشرة وغير مباشرة منذ بداية السيطرة على السلطة في العام 2014 ثم اندلاع الحرب في 2015.
فالمزارعون يشكون من ارتفاع أسعار الوقود وغلاء الأسمدة والمبيدات الزراعية ومضاعفة الضرائب والجمارك الحكومية التي تفرضها السلطات. يضاف ذلك إلى جملة التغيرات المناخية وموجات الجفاف المنعكسة سلباً على المحاصيل التي بدورها تراجعت خلال السنوات الماضية، وبالتالي تضرُّر العاملين في الزراعة، وتوسع دائرة المجاعة مع غياب البدائل والدعم الرسمي.
ولا تُعرف سبل الاكتفاء الذاتي من قبل الجماعة التي لم تتمكن من حل مشكلة استنزاف المياه الجوفية التي يستهلك نبات القات ما لا يقل عن نصفها، وهو ما يهدد بارتفاع التصحر إلى نحو 97% من الأراضي اليمنية، ارتفاعاً من 90% بالفعل في الوقت الحالي وفق بيانات رسمية.
وعلى الرغم مما تنشره الجماعة حول سياسات تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح، ومع إنشاء مؤسسة باسم "المؤسسة العامة لتنمية إنتاج الحبوب" تكرس معظم نشاطها في إنتاج القمح، إلا أن معلومات اللجنة الزراعية العليا التابعة للسلطة تشير إلى عدم إمكانية الاكتفاء الذاتي من القمح أو الوصول إلى 3 ملايين ونصف المليون طن في السنة من الإنتاج، عازيةً ذلك إلى ما تسميه الاستعمار الغذائي العالمي الذي حصر ثقافات الاستهلاك المحلية في القمح وبالتالي العزوف عن استهلاك منتجات أخرى كالذرة التي يتم إنتاجها محلياً منذ عقود.
وبحسب الإحصاءات التي تتبعتها "النقار" فإن استهلاك اليمن سنوياً من القمح لا يقل عن 4 ملايين طن، ويُعد هذا الرقم أكبر حتى من المستوى الذي تقول السلطة الزراعية إنها عاجزة عن الوصول إليه (3 ملايين ونصف المليون طن).
كما أن زراعة القمح محلياً تواجه ارتفاعاً في التكلفة بنسبة 34% مقارنة بالقمح المستورد، بحسب تقرير لمنظمة "إيكابس" صدر منتصف 2023، وأورد التقرير أن ارتفاع الأسعار يعكس ارتفاع تكاليف الزراعة، وهو ما يؤدي إلى تراجع نسبة الزراعة المحلية، نتيجة لارتفاع أسعار القمح على المواطنين.
المحلل الاقتصادي أحمد سلام في حديث لـ"النقار" يقول إن "من لم يحقق الاكتفاء المعيشي وأبسط مقومات الحياة الكريمة للمواطنين لن يكون بمقدوره تحقيق الاكتفاء الذاتي من المنتجات الزراعية".
ويذهب سلام إلى أن "أنصار الله أتاحت لتابعيها استيراد وتسويق مبيدات زراعية منتهية الصلاحية وقاتلة، وفرضت جبايات على مستوردي لوازم الإنتاج الزراعي وجعلت الإنتاج باهظ التكلفة، كما منحت محسوبيها قدرة على التسويق المحلي للمنتجات الزراعية لا يتمتع بها غيرهم، وفي مثل هذه البيئة الإنتاجية الشاقة لا يمكن للسلطة أن تتحدث عن الاكتفاء الذاتي".
ويضيف: "طالما أننا لا نملك خططاً حقيقية للنهوض بالزراعة في ظل سلطة عادلة، فإننا سنظل نعتمد في جزء كبير من غذائنا على الخارج، تماماً كما تعتمد جماعة أنصار في جزء كبير من تسليحها على إيران".
يلفت سلام في حديثه إلى أن "الاكتفاء الذاتي" ليس أكثر من دعاية تروج لها الجماعة لإظهار نفسها ككيان صاحب برنامج اقتصادي قوي على حد قوله. ويشرح: "نلاحظ أن أنصار الله عملت على نشر لوحات إعلانية خلال السنوات الماضية محتواها أنها حققت فعلياً الاكتفاء الذاتي بعد أن فُرض حصار على البلاد من قبل التحالف، أي إنه بسبب هذا الحصار اعتبرت الجماعة نفسها حققت اكتفاء ذاتياً من الغذاء لكن دون أن يكون هناك اكتفاء ذاتي بالأساس، بل إن البلاد تعاني أصلاً من انعدام أمن غذائي تؤكده معطيات الأمم المتحدة منذ أولى سنوات الحرب حتى اليوم".
ويصف ذلك بأنه جزء من سياسة التغطية على الفشل الإداري والفساد المالي الذي امتازت به جماعة أنصار الله والمرافق الحكومية في عهدها وعلى رأسها وزارة الزراعة والري ومؤسساتها.
من جانبه يتحدث الشاب عبدالله الثور، وهو مالك أرض زراعية في إحدى القرى الريفية بمحافظة إب، عن مبادرات زراعية يقدمها مزارعون لزيادة الإنتاج تقابَل بالعرقلة أو التجاهل من جانب السلطات.
ويؤكد لـ"النقار" أنه وعدد من المزارعين قاموا بالرفع إلى وحدة تمويل المبادرات الزراعية بشأن الحصول على الدعم المالي والرسمي لتوسعة زراعة محاصيل بقوليات وتسويقها بشكل أكبر، لكن لم يتم التفاعل معهم بحسب الثور الذي رأى أن ثمة سياسة انتقائية في دعم مشاريع ومبادرات المزارعين.
إلى هنا لا يزال استفسارنا حول حقيقة الطموحات التي بَذَرتها أنصار الله ثم لم يحصد منها المواطنون شيئاً: ما هي النتائج التي حققتها السلطة في ما تصفه بـ"الثورة الزراعية"؟ هل نضج "الاكتفاء الذاتي الزراعي" كما يجب أم أنه لم يخرج عن حدود الشعارات وإطارات اللوحات الإعلانية باهظة الثمن التي انتشرت طويلاً في الشوارع؟