تناول تقرير نشرته صحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، الخميس، حيثيات ومآلات مشكلة "مؤجلة" قد تواجهها إسرائيل في المرحلة المقبلة، وتتعلق بأوضاع جرحى الجيش، الذين أصيبوا خلال العمليات العسكرية الجارية في قطاع غزة.
وحسب الصحيفة، يزيد عدد المصابين عن 6 آلاف جندي، وجاء في التقرير الذي نشر الخميس أن "العدد المتزايد منهم يشكل تحديا صعبا للنظام الصحي".
واستعرضت "تايمز أوف إسرائيل" قصصا لجنود إسرائيليين أصيبوا في معارك غزة، ومن بينهم إيغور تودوران، الذي تعرص لإصابة "غيّرت حياته"، بعدما سقط صاروخ على دبابته.
تودوران يبلغ من العمر 27 عاما، وهو جندي احتياط تطوع بعد هجوم حماس في السابع من أكتوبر.
وأسفر الصاروخ الذي استهدف دبابته عن فقدانه ساقه اليمنى من تحت الورك.
وهو جزء من عدد متزايد من الجنود الجرحى، وفق الصحيفة الإسرائيلية، وتشير إلى أنهم "شريحة كبيرة من المجتمع الإسرائيلي ومصابة بصدمات نفسية عميقة".
قلق
ونظرا للأعداد الكبيرة من المصابين، يشعر المدافعون عنهم بالقلق من أن تكون إسرائيل "ليست مستعدة لتلبية احتياجاتهم".
وتنقل "تايمز أوف إسرائيل" عن إيدان كليمان، الذي يرأس "منظمة المحاربين القدامى المعاقين" غير الربحية قوله: "لم يسبق لي أن رأيت نطاقا مثل هذا وكثافة مثل هذه"، في إشارة منه إلى أعداد المصابين.
وأضاف كليمان الذي تدافع منظمته عن أكثر من 50 ألف جندي أصيبوا في الصراع الحالي وصراعات سابقة: "يجب علينا إعادة تأهيل هؤلاء الأشخاص".
وكانت وزارة الدفاع الإسرائيلية قالت في منتصف ديسمبر الحالي إن أكثر من 6000 فرد من قوات الأمن، بما في ذلك الشرطة والوكالات الأخرى، أصيبوا منذ اقتحام مسلحي حماس جنوب إسرائيل في 7 أكتوبر.
وأسفر الهجوم عن مقتل حوالي 1200 شخص، واحتجاز أكثر من 240 رهينة، معظمهم المدنيين.
وتوضح الصحيفة أن ما يقرب من 900 من هؤلاء الجنود أصيبوا منذ أن بدأت إسرائيل هجومها البري في أواخر أكتوبر، حيث اشتبكت قواتها خلال قتال متلاحم مع مسلحي حماس في غزة.
وقال ياغيل ليفي، أستاذ العلاقات المدنية العسكرية في الجامعة المفتوحة، عن الجرحى: "إنهم يضيفون المزيد".
وأضاف للصحيفة الإسرائيلية: "قد يكون هناك تأثير طويل المدى إذا رأينا نسبة كبيرة من الأشخاص ذوي الإعاقة الذين يجب على إسرائيل إعادة تأهيلهم، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى قضايا اقتصادية بالإضافة إلى قضايا اجتماعية".
وكانت الحرب الإسرائيلية قد جلبت منذ أكثر من شهرين ونصف الشهر معاناة غير مسبوقة للفلسطينيين في غزة.
وتقول وزارة الصحة التابعة لحماس في القطاع إن أكثر من 21 ألف شخص قتلوا، غالبيتهم من النساء والأطفال.
وتشير مصادر صحية أخرى أيضا من داخل غزة إلى أن القصف الجوي الإسرائيلي والبري أدى إلى تحويل أكثر من ثلث مباني غزة لأكوام من الركام.
وتفيد وزارة الصحة نفسها في غزة بوجود ما يقرب من 55,000 جريح، وتقول إن عمليات بتر الأطراف أصبحت شائعة.
"محنتهم تتراجع"
ولا يزال الإسرائيليون يقفون إلى حد كبير وراء أهداف الحرب، والمحصورة في تدمير القدرات العسكرية والحكومية لحماس، وتأمين عودة 133 رهينة يعتقد أن الحركة ما زالت تحتجزهم.
وفي دولة تفرض الخدمة العسكرية الإلزامية على معظم اليهود، يعد مصير الجنود موضوعا حساسا وعاطفيا، وفق "تايمز أوف إسرائيل".
وتضيف أنه "يتم الإعلان عن أسماء الجنود الذين سقطوا في أعلى نشرات الأخبار كل ساعة".
في حين تكون جنازاتهم مليئة بالغرباء الذين يأتون لإظهار التضامن، وتتلقى عائلاتهم دعما سخيا من الجيش.
لكن تاريخيا، تراجعت محنة الجرحى، كما تشير الصحيفة، "على الرغم من الإشادة بهم كأبطال، في المرتبة الثانية بعد قصص الجنود الذين قتلوا في المعركة".
وبعد تراجع الضجة المحيطة بقصص خدمتهم وبقائهم على قيد الحياة، يُترك الجرحى ليواجهوا واقعا جديدا يمكن أن يكون مربكا وصعبا.
ومع ذلك، فإن الأعداد الكبيرة بشكل استثنائي من الجرحى في هذه الحرب ستوفر تذكيرا واضحا بالصراع لسنوات قادمة، حسب "تايمز أوف إسرائيل".
وشدد رئيس الوزراء، بنيامين نتانياهو على "تضحيات الجرحى" خلال زيارة قام بها مؤخرا في مركز "شيبا" الطبي، وهو أكبر مستشفى في البلاد، وقال: "أنتم أبطال حقيقيون".
كما أضافت وزارة الدفاع أنها تعمل "بكامل طاقتها" لمساعدة الجرحى، وأنها تعمل على "تقليص الروتين وتعيين موظفين للتعامل مع التدفق".
"البعض دمرت حياتهم"
وتورد "تايمز أوف إسرائيل" قصة أخرى لجريح إسرائيلي اسمه جوناثان بن حمو.
ويبلغ من العمر 22 عاما، وفقد ساقه اليسرى تحت الركبة بعد أن أطلق مسلحون من حماس في غزة قذيفة صاروخية على الجرافة التي كان يستخدمها للمساعدة في تمهيد الطريق للقوات الأخرى.
والآن يتطلع إلى اليوم الذي يستطيع فيه استخدام الأطراف الاصطناعية التي تمولها الدولة له، كما يقول للصحيفة الإسرائيلية.
ويضيف وهو الذي يستخدم كرسيا متحركا في الغالب منذ الحادث الذي وقع في أوائل نوفمبر، أنه "يخطط في النهاية لتحقيق هدفه المتمثل في حضور دورة للقادة العسكريين".
لكن كليمان، الذي أصيب هو نفسه في عملية في قطاع غزة في أوائل التسعينيات، قال إنه يعتقد أن السلطات لا تدرك خطورة الوضع.
وتعمل مجموعة المحاربين القدامى ذوي الإعاقة على تكثيف الجهود لمعالجة ما يشتبه في أنه سيكون الاحتياجات الهائلة لكادر جديد من الجنود الجرحى.
وأضاف كليمان أن المنظمة تضاعف قوتها العاملة ثلاث مرات، مضيفة المعالجين والموظفين لمساعدة المحاربين القدامى الجرحى على التغلب على البيروقراطية وتحديث مراكز إعادة التأهيل.
وتابع كليمان أنه من المرجح أن يصل عدد الجرحى إلى ما يقرب من 20 ألفا بمجرد إدراج أولئك الذين تم تشخيص إصابتهم باضطراب ما بعد الصدمة (PTSD).
وأوضح أنه "إذا لم يتلق الجنود الجرحى الرعاية العقلية والجسدية التي يحتاجون إليها، بما في ذلك تسهيل الوصول إلى منازلهم أو سياراتهم، فقد يؤدي ذلك إلى إعاقة إعادة تأهيلهم وتأخير أو حتى منع عودتهم إلى القوى العاملة".
وأضافت عيديت شافران جيتلمان، الباحثة البارزة في معهد دراسات الأمن القومي، وهو مركز أبحاث في تل أبيب: "هناك جرحى دمرت حياتهم"، و"سيتعين عليهم أن يتعاملوا مع جراحهم طوال حياتهم".