في الخامس والعشرين من سبتمبر الماضي، وبمناسبة ذكرى المولد النبوي، أطل زعيم أنصار الله عبد الملك الحوثي بخطاب اعتبره الكثير تاريخيا، أعلن من خلاله ما سماها المرحلة الأولى من التغييرات الجذرية. تمثلت تلك المرحلة بإقالة حكومة بن حبتور وتشكيل "حكومة كفاءات". وإلى أن يتم تشكيل حكومة الكفاءات تلك، تبقى الأوضاع على ما هي عليه، بحكومة تصريف أعمال.
مر حتى الآن شهران ونصف الشهر، ولا حديث عن شيء مما قيل. إنها حكومة النفس الطويل وعما قليل ستغدو الحكومة المنتظرة، على غرار نظرية المهدي المنتظر، مع فارق أن الذي دخل السرداب هنا هو الشعب نفسه، فيما سلطة صنعاء تنتظر متى يخرج من سردابه لتجهز له الحكومة اللائقة.
أصبح لدى سلطة صنعاء مناعة عجيبة ضد شعبها، لدرجة أن القاعدة التي تسير عليها دول العالم بأن السلطة في خدمة الشعب انقلبت في صنعاء إلى: الشعب في خدمة السلطة.
اللحظة الوحيدة التي يكون فيها الشعب حاضرا وله كلمته المسموعة عند سلطة صنعاء هي عندما تحشده إلى الميادين للصراخ والهتاف.
تستغرب عندما تسمع بيانا ليحيى سريع، على سبيل المثال، وقد بدأه هكذا: "تلبية واستجابة لمطالب شعبنا اليمني العظيم..."، حيث تُشعرك سلطة صنعاء بأنها لا تدخر جهدا ولا وقتا إلا وفعلته في سبيل تلبية مطالب ذلك الشعب. غير أن هذا الحرص الذي تبديه "استجابة وتلبية لمطالب شعبها العظيم" ليس إلا لأن تلك المطالب متعلقة بموقف خارجي. أما المطالب المتعلقة بالداخل فإنها من عمل الشيطان، ولا يعود الشعب معها عظيما عزيزا، بل يتحول في نظر سلطة صنعاء إلى حاقد ومنافق ودخيل.
وبحسب ناشطين، فإن صراع المصالح بين قيادات سلطة الأنصار، إضافة إلى الخلافات المحتدمة داخل أروقة تلك السلطة حول إبقاء بعض وزراء محسوبين على طرف، وإقصاء آخرين محسوبين على طرف آخر، كل هذا لا يجعل من تشكيل حكومة جديدة أمرا ممكنا، ناهيك عما تسميها تغييرات جذرية. كما أن المفاوضات المعلنة مع السعودية والتي اتخذت هي الأخرى مسار النفس الطويل وأصبحت أكثر غموضا، قد توحي لسلطة صنعاء بأن الوقت لصالحها هنا أيضا مثلما هو في الحرب على غزة. وربما أن على الشعب اليمني أن ينتظر انتهاء الحرب هناك والدخول في إعادة الإعمار، عندها فقط ستفكر سلطة صنعاء بالالتفات إلى تشكيل حكومة مازالت تصر على تسميتها حكومة كفاءات ضمن المرحلة الأولى من التغييرات الجذرية التي وعد بها القائد.