خاص - النقار
شكلت هجمات جماعة أنصار الله على السفن التجارية البحرية في البحرين الأحمر والعربي مخاطر متزايدة على أمن الملاحة وحركة التجارة العالمية وارتفاعًا في أسعار الشحن البحري وتكاليف التأمين على السفن، حتى بالنسبة إلى السفن والشركات التي لا تتبع الكيان الصهيوني.
وبعد قرابة الشهر من استهداف أنصار الله سفنًا تجارية لها ارتباط بإسرائيل، بدعم من إيران وفقًا لاتهام الولايات المتحدة، أعلنت الجماعة في أحدث بياناتها العسكرية أنها ستمنع السفن المتجهة إلى الكيان الإسرائيلي من أي جنسية كانت، إذا لم تدخل إلى قطاع غزة احتياجاته من الغذاء والدواء، وأن هذه السفن دون استثناء ستكون هدفًا مشروعًا، محذرةً السفن والشركات من التعامل مع الموانئ الإسرائيلية.
واعتبرت الجماعة أنها نجحت في منع السفن الإسرائيلية من الملاحة في البحرين الأحمر والعربي، وهو ما جعلها تتخذ قرار منع دخول السفن المتجهة إلى موانئ الاحتلال، بحسب بيان المتحدث العسكري للجماعة.
ولأنه لا يمكن لاثنين الاختلاف حول ضرورة الواجب العربي لنصرة قطاع غزة الذي تؤكد الأمم المتحدة أنه لم يبق فيه مكان آمن بسبب تعرضه للقصف الإسرائيلي الدموي الغاشم، فإننا بطبيعة الحال لسنا بصدد اتخاذ أي موقع من مواقع الدفاع والمحاماة عن الكيان الإسرائيلي المحتل، ونحاول فقط تقريب النظر إلى جانب من التداعيات على "اليمن" المنهار بالأساس اقتصاديًا وسياسيًا وإنسانيًا، كما هي على التجارة العالمية برمّتها بسبب هذه الهجمات.
فبالرغم من الإمعان في تصعيدها، قالت الجماعة إنها حريصة على استمرار حركة التجارة للدول والسفن كافة عدا المرتبطة بإسرائيل أو التي تنقل البضائع إليها، لكنه الحرص الذي يزيد من مخاوف المنطقة ورواد الشحن والتجارة الدولية وسط اقتصاد عالمي متضخم، حيث إن تكاليف النقل ومدة العبور في التجارة عالميًا مرشحة للارتفاع بنسبة تتجاوز 40% مما سينعكس على الأسعار العالمية للمنتجين والمستهلكين، كما أن التصعيد من ناحية ثانية يشجع الدول على المضي في مشروع الممر الاقتصادي الهندي الشرق أوسطي الذي يشمل السعودية وإسرائيل ويتجاوز البحر الأحمر.
ولم يأت الحليفان، واشنطن وتل أبيب، بجديد في اتهامهما أنصار الله بتنفيذ الهجمات في ضوء دعم من إيران، لكن هذه النظرة تطورت لدى وسائل إعلام إسرائيلية إلى افتراضٍ مفاده أن أهمية الحوثيين بالنسبة إلى إيران في المدى البعيد ستكون أكبر أهمية من حزب الله اللبناني المتاخم حدوديًا للأراضي المحتلة.
هذا الافتراض دفع شعبة الاستخبارات العسكرية في جيش الاحتلال المعروفة بـ"أمان" إلى تشكيل وحدة خاصة لمواجهة استهدافات الحوثيين في اليمن لمصالح إسرائيل، وتنقل وسائل الإعلام العبرية ما وُصف بالقلق الإسرائيلي المتزايد من تداعيات الهجمات التي تستهدف السفن الإسرائيلية على مستقبل تجارتها الخارجية وخطوط الإمداد الحيوية التي يعتمد عليها الاقتصاد والمجتمع الإسرائيليين. لكن في المقابل ثمة تساؤل مشروع يطرح نفسه: ماذا عن القلق اليمني؟
إيقاف المساعدات الخارجية
رغم التنصل الإيراني الرسمي من علاقة طهران بإدارة أو دعم هذه الهجمات، إلا أن الرائج هو أن الداعم الإيراني يطالب المدعوم "أنصار الله" بتكثيف الهجمات ضد السفن الإسرائيلية أو المرتبطة بإسرائيل وصولًا إلى استهداف السفن مختلفة الجنسيات المتجهة إلى الموانئ الإسرائيلية، وبقطع النظر عن صحة ذلك من عدمها، فإن الأمر كليًا يبقى مقلقًا حيال الداخل اليمني الذي تزداد أوضاعه سوءًا منذ بداية الهجمات.
من جهة، لا يُعرف إلى أي مدى قد تذهب النوايا الأمريكية في ردها على الحوثيين، فبتخطّي ما يُشاع عن وكالات إعلامية، مثل أسوشييتد برس، حول أن "الولايات المتحدة تتجنب الرد العسكري حتى الآن"، فإن هناك تقارير أخرى تؤكد أن الانتقام العسكري يبقى مطروحًا على طاولة واشنطن بالتزامن مع حشد قوات أمريكية إلى البحر الأحمر، رغم المضي بمحادثات السلام اليمنية المتقدمة في الوقت الراهن.
حيث تُجري واشنطن محادثات مع حليفتيها الخليجيتين، السعودية والإمارات، بشأن تحرك عسكري محتمل ضد المناطق اليمنية تحت سيطرة أنصار الله، بحسب وكالة بلومبيرغ الأمريكية، والتي تؤكد أن هذه المحادثات تسير بالفعل وما زالت في مراحلها الأولى، مع وجود تشكك لدى الدولتين في عزم إدارة بايدن على المواجهة العسكرية، وتفضيلهما الدبلوماسية على المواجهة المباشرة، إذ تسعى الرياض إلى التوقيع على اتفاق لوقف دائم لإطلاق النار مع أنصار الله للدفع بعملية سلام وحوار سياسي، كما تقول بلومبيرغ.
ومن جهة أخرى، تجلت أولى عواقب الهجمات بوضوح في وقف المساعدات الإغاثية لملايين اليمنيين الذي بحاجة إلى هذه المساعدات.
إعلان برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة عن إيقاف المساعدات الغذائية مؤقتًا في شمال اليمن "بسبب محدودية التمويل وعدم التوصل إلى اتفاق مع السلطات من أجل تنفيذ برنامج أصغر يتناسب مع الموارد المتاحة للأسر الأشد ضعفًا واحتياجًا"، كان باعثًا على صدمة ما لا يقل عن 17 مليون شخص في اليمن يتلقون هذه المساعدات.
هذا القرار نتج عن سلسلة صدامات تفتعلها أنصار الله مع البرنامج، حيث تفرض الجماعة رغبتها في توزيع المساعدات على طريقتها وبحسب كشوفات توافق عليها هي، وهو ما يميل بالمساعدات عن طريق محتاجين مستحقين ويُخضعها لحسابات خاصة بالجماعة ومنتفعيها. لكن إلى جانب ذلك، جاء هذا الإيقاف مزامنًا للعمليات الحوثية ضد السفن التجارية، وهو ما اعتبره أنصار الله قرارًا سياسيًا أمريكيًا يستخدم المساعدات الإغاثية كورقة ضغط من أجل التوقف عن العمليات البحرية.
وفي تصريح خاص لـ"النقار" قال مصدر في مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا" باليمن، إن ما هو متداول بين الأوساط الوظيفية الأممية بصنعاء هو أن استهداف أنصار الله للسفن من أبرز العوامل الرئيسة التي أدت بالبرنامج إلى وقف مساعداته.
ويشرح المصدر الذي فضل عدم توضيح هويته، بقوله إن "مسألة نقص التمويل تعود إلى المانحين الدوليين، فالمساعدات مرهونة بالمبالغ التي تصل إلى البرنامج والوكالات عبر الدول المانحة الكبرى، فلا تنتظر أن تستمر هذه الدول في تقديم المال وأنت تواصل الهجوم على السفن وتهدد مصالحها التجارية وأمن المرور المائي".
ويضيف: "على رأس الدول الداعمة لوكالات الأمم المتحدة هي الولايات المتحدة الأمريكية، فالنسبة الأكبر من الدعم تأتي من أمريكا، وفي العام الماضي مثلًا قدمت أمريكا أكثر من نصف الدعم المخصص لبرامج الأمم المتحدة في اليمن والنصف الآخر من المانحين الآخرين مجتمعين، واليوم أمريكا تطالب بوقف الهجمات على السفن والدول المانحة الأخرى تتعرض سفن تابعة لها للمخاطر، وأنصار الله مستمرون في هجماتهم، ومع هذا التوقيف للدعم والمساعدات لا يمكن التنبؤ بشكل واضح بما سيكون عليه الوضع في العام المقبل 2024، لكن الوضع خطير للغاية" بحسب توصيفه.
ويتابع المصدر قائلًا: "المساعدات الغذائية التي أوقفها WFP هي مساعدات ضمن برنامج واحد فقط، وبرنامج واحد فقط أحدث كل هذا الضجة، خاصة أن المستحقين والنازحين يواجهون الخطر، وعلى السلطات في صنعاء إدراك مساوئ ذلك".
مواجهة التصعيد بتحرك عسكري
وفي حين أدت الهجمات واستهداف "باب المندب" الحيوي إلى تغيير مسارات السفن التجارية وتمديد فترة عبورها المائي وارتفاع أسعار الشحن، مثل سعر الشحن من "الصين" الذي ارتفع بنسبة 12% خلال الأسبوع الفائت، وكذا الإضرار بأمن أسواق الطاقة العالمية التي تعتمد على باب المندب في مرور نحو 6.2 ملايين برميل يوميًا من النفط الخام والمشتقات النفطية، وأكثر من 30% من تجارة الغاز الطبيعي العالمية و10% من التجارة العالمية عمومًا، ناهيك عن الإضرار بدول حوض شرق البحر الأبيض المتوسط وبالأخص مصر التي تمول جزءًا من ميزانيتها من رسوم الشحن على "قناة السويس"، فإن اليمن ومقدّراته واقتصاده المتهالك في وجه المدفع.
عن ذلك يقول الخبير الاقتصادي ماجد الداعري، في حديث لـ"النقار" إن الآثار السلبية تقع على حركة الملاحة ونسبة التدفقات التجارية من باب المندب وقيمة الرسوم وزيادة رسوم تأمين السفن التجارية، مما سيؤدي لارتفاع الأسعار النهائية لمختلف البضائع.
ويواصل: "هذا إلى جانب مخاطر التدخلات العسكرية الدولية في الاستيلاء على سيادة اليمن بمياهه الدولية أو جزره التي باتت مهددة بتواجد عسكري أجنبي فيها بحجة تأمين حركة الملاحة الدولية من خطر الهجمات ووفقًا لقوانين أعالي البحار، خاصة بعد إعلان الحوثيين تصعيد هجماتهم لاستهداف كل سفينة من أي جنسية تحمل بضائع وتتجه نحو الموانئ الإسرائيلية".
ويعلّق الاقتصادي الداعري على هذا التصعيد بقوله: "يُمثل هذا التصعيد تهديدًا مباشرًا باستهداف قرابة ثلثي السفن التجارية المارة من باب المندب مقارنة بحجم صادرات وواردات الكيان الصهيوني وعدد سفنه ومساهمات رجال أعماله الإسرائيليين في ملكية سفن تجارية أصبحت كلها في مرمى الاستهداف الحوثي المباشر وخطر شل الحركة الملاحية التجارية بالبحرين الأحمر والعربي، ما قد يدفع إسرائيل لمحاولة الرد بشكل فردي وتنفيذ هجمات جوية باليمن وعلى موانئ وجزر يمنية منها الحديدة ومواقع أخرى بصنعاء" بحسب توقعاته.
شاركنا الرأي، في نظرك كيف تؤثر هجمات أنصار الله البحرية وتصعيدها على اليمن؟ وهل تنضم إلى مؤيدي الضربات مهما كانت العواقب، أم تمثل التيار المعاكس؟