• الساعة الآن 03:29 AM
  • 18℃ صنعاء, اليمن
  • -18℃ صنعاء, اليمن

بنك الكريمي خارج المنظومة المصرفية في صنعاء.. الخلفيات والتداعيات المحتملة

news-details

 

خاص - النقار
أتى قرار سلطة صنعاء (البنك المركزي التابع لجماعة أنصار الله) بوقف التعامل مع بنك الكريمي للتمويل الأصغر الإسلامي ابتداءً من 22 يونيو 2025، في سياق الصراع المالي المستمر بين الحكومة المعترف بها دولياً وجماعة أنصار الله. فقد أقدمت حكومة العليمي في عدن على نقل مقار أغلب البنوك اليمنية من صنعاء إلى عدن وتجميد عمل ستة بنوك كان أبرزها الكريمي، بحجة تفادي العقوبات الدولية وارتباطها بجماعة مصنفة إرهابية. وردّاً على ذلك، وجّه البنك المركزي الخاضع لسلطة صنعاء تعميماً إلى شركات الصرافة وشبكات الحوالات في مناطقهم بوقف جميع التعاملات مع بنك الكريمي وتصفية أرصدة هذه المؤسسات خلال 15 يوماً.

بنك الكريمي: الحجم والانتشار

تضاعفت أصول البنك بشكل كبير خلال الأعوام الأخيرة، فبلغت حوالي 400 مليار ريال يمني (نحو 584 مليون دولار) في عام 2022 مقارنة بحوالي 255 مليار في 2019.
    يشير البنك نفسه إلى أنه يهدف إلى خدمة ملايين العملاء، وقد وُصِف بأنه من أكبر البنوك اليمنية بعدد الحسابات والعملاء. رغم عدم توفر رقم حديث محدد، يسعى البنك إلى الوصول إلى ما يقارب 6 ملايين عميل فعّال بحسب خططه الاستراتيجية.

    وصل عدد فروع الكريمي في عموم اليمن إلى 210 فرعاً في 2022، متوزعة على المحافظات والبلدات. تشمل هذه شبكة فروعه المترامية مواقع رئيسية في صنعاء ومحافظات الشمال والجنوب. ويُقدر أن كريمي يملك عشرات الفروع في مناطق سلطة صنعاء نظراً لكون مقره الرئيسي منذ التأسيس في صنعاء.
    
يتمتع بنك الكريمي بشبكة تحويلات واسعة. فمن جهة، يشغّل نظام “كريمي إكسبرس” للحوالات المحلية الذي يُعد من أكبر شبكات التحويلات المالية في اليمن. كما يقدم خدمات الحوالات الدولية عبر شركاء مراسلين (مثل ويسترن يونيون) وقد أعلن عن إتاحة نقل الأموال من وإلى الخارج بسهولة. يؤكد البنك على موقعه أنه يسهّل الحوالات الدولية للمغتربين والشركات عبر قنوات مرموقة.

تبعات القرار
    •    على السوق المصرفي المحلي في صنعاء: يعزل قرار وقف التعامل مع الكريمي، هذا البنك الكبير، عن التعامل المالي في الشمال، مما يضيق الخيارات أمام شركات الصرافة والتحويل، ويزيد من تركيز النشاط على بنوك أخرى أقل انتشاراً. ويشير القرار إلى إجبار الصرافين على سحب أرصدتهم من الكريمي بالكامل خلال مهلة محددة، مما قد يتسبب بزيادة الحاجة إلى السيولة لدى البنوك الأخرى وقد يفاقم أزمة النقد المتداول. كما ينهار جزئياً جسر الثقة بين عملاء البنك (سواء أفراداً أو شركات) والقطاع المصرفي المحلي، وقد تزيد المخاوف من تعثر دفع الرواتب أو القروض الميسّرة إذا لم يُوفّر البديل الملائم. وبحسب محللين، فإن إبعاد بنوك رئيسية عن التداول يعني عزلاً أكبر للقطاع المصرفي في مناطق سيطرة جماعة أنصار الله وصعوبة في التوافق المالي مع بقية اليمن.

    •    على الأفراد والتجار: سيواجه المواطنون والتجار صعوبات في إجراء التحويلات المالية واستلام الحوالات النقدية عبر فرع الكريمي. فمثلاً، من كان يتلقى تحويلات عبر تطبيق “أم فلوس” أو يحوّل أموالاً لشريك تجاري عبر فروع البنك لن يتمكّن من مواصلة ذلك عبر الصرافين الرسميين. وستضطر الشركات التجارية إلى استخدام بنوك أخرى أو اللجوء للصرافين الشبكيين (المنتشرين رغم الحظر) مما قد يُكلّفهم عمولات أعلى ويؤخر المعاملات. كذلك قد تنقطع الرواتب أو تعجز الجهات الحكومية والمحلية في مناطق سلطة صنعاء عن صرفها عبر آليات الكريمي المعتادة، مما يدفع بعض الموظفين للمطالبة بإيجاد حلول بديلة.

    •    على المنظمات الدولية والهيئات الإنسانية: كان بنك الكريمي أحد القنوات المالية الرئيسة التي يمكن للمنظمات العاملة في الشمال الاعتماد عليها لصرف المرتبات والإعانات. ومنع الوصول إليه يعني أن هذه المنظمات ستضطر لإيجاد بدائل (مثل حصر الحوالات عبر شركات صرافة صغيرة أو تأسيس حسابات لدى بنوك أخرى أقل انتشاراً). قد يؤدي ذلك إلى تباطؤ تحويلات المنح الدولية أو صرف الأجور، وربما تفضيل النظام النقدي المحلي الخاضع لسلطة صنعاء (كالريال المطبوع في صنعاء) على حساب الأخرى. علاوة على ذلك، قد تحتاج هذه الجهات إلى التنسيق مع اللجنة الاقتصادية التابعة لجماعة أنصار الله أو البنوك المعتمدة لدى السلطة لتأمين السيولة، مما قد يزيد الرقابة على المساعدات المالية.

    •    على الحكومة المعترف بها دولياً: من الناحية العملية، فإن تأثير القرار على الحكومة في عدن محدود نسبياً لأن بنوكها المفضلة قامت سابقاً بقطع علاقاتها مع الكريمي طوعاً. لكن قد تظهر بعض التداعيات، مثل تقليص القنوات المتاحة للعلاقات المالية بين الشمال والجنوب. كما يعد القرار مزيداً من الحواجز أمام توحيد الجهاز المصرفي اليمني، ويصعب على الحكومة توسيع نفوذها المالي إلى مناطق جماعة أنصار الله، خاصة إذا كانت أي تعهدات أو ودائع لحكومة “العليمي” أو الهيئات الدولية قد تمرّ سابقاً من خلال الكريمي في صنعاء.

مكاسب سلطة صنعاء من القرار

من منظور جماعة أنصار الله، يخدم هذا القرار عدة أغراض استراتيجية. سياسياً، يمثل بسط السيطرة على أحد أكبر بنوك البلاد رسالة قوية لمن يتعاون مع الحكومة في عدن، ويعزّز خطاب «الاقتصاد المقاوم» بتضييق الخناق على منافسيهم الماليين. اقتصادياً، يضمنون أن تستمر المعاملات المالية الكبرى عبر مؤسساتهم الموالية، مما يمنحهم قدرة أكبر على إدارة السيولة النقدية في مناطقهم وتجنب تسرب الريالات إلى النظام المعادي. كما أن تعطيل قنوات تحويل الأموال الموثوقة يجعل السكان أقل اعتماداً على قنوات خارجية (عملة أو تحويلات دولية)، ويزيد اللجوء إلى النظام المصرفي المحلي في صنعاء حيث يمكنهم مراقبة التدفقات المالية. بعبارة أخرى، يعزز القرار قبضتهم على الدورة النقدية والبيانات المالية في مناطق سيطرتهم: فمن خلال إلزام العملاء والمؤسسات بالانتقال إلى بنوك أخرى خاضعة، سيحصلون على معلومات مصرفية حصرية عن حركة الأموال ويوفرون بذلك غطاءً للرقابة المالية والضرائب المحتملة. وبنظرة خارجية، قد تُبرَّر الخطوة بأنها لحماية الاقتصاد الوطني، لكنها في الحقيقة تُبقي المؤسسات المالية الكبرى تحت مظلتهم، وتُضعف أي دور مستقل للمصارف في معادلة السلطة.

شارك الخبر: