• الساعة الآن 02:23 AM
  • 13℃ صنعاء, اليمن
  • -18℃ صنعاء, اليمن

محمد العلائي يكتب: اليمن بين حتمية الجغرافيا وحرية الإنسان

news-details

 

محمد العلائي
زمان كنت في ملاحظاتي وآرائي عن اليمن، أُكثر بإفراط من الكلمات التي تفيد الشك والاحتمال: قد، ولعل، وربما…إلخ.
لم أكن مستيقناً إلا في القليل النادر، 
والسبب نقص لا بأس به في العلم بماهية اليمن وهويته، بالزمان والمكان، بالطبيعة والتاريخ.
نقص في العلم الدقيق بماضيه البعيد والقريب، شماله وجنوبه، بممكناته وحتمياته، وهي ممكنات وحتميات الجغرافيا: الأرض، المناخ، التربة، والموقع.
كان اعتمادي الأكبر، في بناء آرائي وأحكامي، على معرفتي وإلمامي بالحاضر، وطول تأملي في حوادثه، وعلى شيء من الحدس.
لكن هذا لم يكن كافياً للجزم بشيء، ولذلك كنت أكتب آرائي وتعليقاتي بأسلوب رمادي، يكاد يخلو من أدوات القطع واليقين.
اليوم اختلف الوضع إلى حدّ ما.
أزعم أنني أستطيع قول أشياء كثيرة عن اليمن بثقة أكبر، بقدر من اليقين النسبي، وأستند في ذلك إلى رصيد جيد من المعرفة، ومن الأدلة والحجج.
أنظر في الاحتمالات الذهنية والنظرية، أستبعد بعضها وأقبل البعض الآخر، وأميّز بين الممكن الذهني والممكن الوجودي الواقعي.
كما يقال، التاريخ هو حاصل الإمكانات التي تحققت في الماضي، لكن معرفته لا تمنح علماً يقينياً بالمستقبل، وإنما تقديراً تقريبياً لما يمكن وما لا يمكن توقعه، لما يمكن وما لا يمكن قبوله من الآمال والمخاوف.
للطبيعة، الموقع الجغرافي والتضاريس والمناخ، تأثير لا يمكن إنكاره في تحديد أقدار شعب من الشعوب، وأحياناً في تكرار نوع معيَّن من الظواهر والمسارات التاريخية. 
ومع ذلك، فهذا التأثير إذا فهموه حق الفهم، وأحسنوا الاستجابة له والتعامل معه، لن يكون عصياً على الخَرْق والتعديل. 
لنفترض أن الطبيعة -أو البيئة الجغرافية- ترسم حدّاً، أو إطاراً صلباً، لما يمكن وما لا يمكن حدوثه في اليمن، أو انطلاقاً من اليمن، لكن تحت هذا الحدّ، وفي إطاره، يتبقى قدر من الحرية يسمح بالاختيار من بين تشكيلة واسعة من الإمكانات والمصائر الجيدة والسيئة، الطيبة والفاسدة. 
ولولا هذه الحرية، أي لو كان كل شيء ضرورة وحتم وقَدَر ولا شيء بالإرادة والاختيار، لسقطت المسؤولية الأخلاقية، وتعطلت أحكام القيمة والتفضيل، معايير الخير والشر، القبيح والجميل من الأفعال والأقوال. 
الانسان عموماً ليس عجينة بلهاء تشكّلها قوى الطبيعة من طرف واحد. الانسان فاعل جبَّار في الطبيعة، وبمقدوره دائماً تطويعها والتأثير عليها لصالحه.

شارك المقال: