• الساعة الآن 06:06 PM
  • 18℃ صنعاء, اليمن
  • -18℃ صنعاء, اليمن

‏التوازن المستحيل: صنعاء بين معركة لبنان واستحقاقات اليمن

news-details

 

آزال الجاوي

تشير المعطيات الإقليمية إلى أن المنطقة ربما تكون على أعتاب حرب واسعة بين لبنان وإسرائيل، ومن المرجّح أن تبادر صنعاء إلى تقديم إسناد عسكري لحزب الله، استمرارًا لتموضعها داخل محور المقاومة. غير أن هذا الإسناد — إن حدث — لن يحظى بالدعم الشعبي الذي رافق إسناد غزة، وذلك لسببين رئيسيين:

أولًا: لأن صنعاء، منذ هدنة غزة، لم تقدّم ما يكفي لمعالجة الأزمات الداخلية أو تحسين الوضع المعيشي، ولم تُجرِ إصلاحات ملموسة في مناطق سيطرتها. كما اختارت الانكفاء على ذاتها تجاه ما يجري في المحافظات الجنوبية والشرقية، رغم أن هذه المحافظات تمثل عمقها الحيوي والرئة التي يمكن لصنعاء أن تتنفس منها في حال تشديد الحصار أو اتساع المواجهة. ومع تراكم الضغوط وتراجع قدرة الناس على الاحتمال، أصبح الرأي العام أكثر حساسية تجاه أي أعباء خارجية جديدة تُضاف إلى واقع داخلي هش ومثقل بالأزمات.

ثانيًا: لأن أطراف محور المقاومة انشغلت خلال حرب غزة بأوضاعها الداخلية أكثر مما تمسكت بما كانت ترفعه من شعارات حول “وحدة الساحات”. ولم تتلقَّ صنعاء، خلال مواجهتها المباشرة مع الولايات المتحدة وإسرائيل، أي دعم حقيقي من حلفائها: لا سياسيًا، ولا عسكريًا، ولا اقتصاديًا، ولا حتى في ملف إعادة إعمار ما خلّفته الضربات. وخرج اليمن وغزة بأضرار كبيرة، فيما بقيت المساندة المفترضة في أدنى مستوياتها وغير محسوسة — إن كانت موجودة أصلًا.

لذلك، إذا كانت صنعاء تتجه نحو إسناد جديد في لبنان أو إيران، فمن الضروري أن تشرع أولًا في معالجة ملفات الداخل ولو بصورة نسبية، وأن تعيد حساباتها بشأن حالة الانكفاء عن مجريات الأحداث في المحافظات الجنوبية. فالدخول في إسناد خارجي ضمن هذه الظروف سيكون مغامرة عالية الكلفة، قد تُنهك ما تبقّى من قدرة المجتمع على الصمود، وتستنزف ما تبقّى من مقدرات شبه الدولة، وتعمّق الانقسامات القائمة إلى مدى أبعد مما هو قائم اليوم.

إن أي دور إقليمي لا يمكن أن يُبنى على قاعدة داخلية ضعيفة. وعندما يكون الداخل هشًّا ومثقلًا بالأزمات، فإن أي دور خارجي — مهما ارتفع خطابه أو اتسعت شعاراته — لن يكون فاعلًا، بل قد يتحول إلى خطوة انتحارية تزيد الانقسام والتشظي، وتفاقم هشاشة الوضع الداخلي، وتضعف فرص التعافي لمدى زمني طويل.

شارك المقال: