خاص | النقار
صوّت برلمان صنعاء على مشروع قانون الآلية المؤقتة لدعم فاتورة المرتبات وحل مشكلة صغار المودعين، في وقت قياسي لم يتجاوز اليومين، وهو ذات الوقت الذي لا يتجاوزه برلمان الراعي عند تمرير مشاريع القوانين التي تفرضها السلطة العليا، كما حصل في مشروع تعديل قانون السلطة القضائية قبل أكثر من شهرين.
يقول المحامي عبد السلام المخلافي إن البرلمان اليمني أصبح الأول عالميًا في سرعة مناقشة مقترحات القوانين والتصويت عليها.
تحمل فكرة دعم فاتورة المرتبات وحل مشكلة صغار المودعين، التي أصبحت نافذة، جانبين: الأول أن السلطة أدركت متأخرة أن عدم صرف المرتبات وشلل البنوك أدى إلى الركود الاقتصادي المخيف الذي تعيشه جغرافية السيطرة، والثاني هو السيطرة على أموال المؤسسات الإيرادية، ما يعني استكمال المرحلة الأولى التي كان قد بدأها وزير المالية السابق رشيد أبو لحوم، تحت مسمى “الربط الشبكي”، والتي قوبلت بمعارضة واسعة.
ويرى النائب عبده بشر أن مشروع القانون المقر يعد استكمالًا لمصادرة أموال الوحدات المستقلة والملحقة والصناديق، ومنها صندوق المعلم، مشيرًا إلى أن النتيجة ستكون صرف نصف مرتب كل ثلاثة أشهر، وفي أحسن الأحوال نصف مرتب شهريًا، مع مصادرة أي حقوق سابقة.
بعد ثماني سنوات، أدركت سلطة صنعاء أن استمرارها في الجبايات، وعدم عكس ولو جزء مما يتم جبايته على شكل مرتبات ومشاريع، أدى إلى ركود اقتصادي، لكنها لم تدرك ذلك إلا عندما أصبحت الإيرادات تواجه مخاطر التراجع، بفعل إغلاق العديد من المصانع والشركات، نتيجة عدم قدرتها على الاستمرار جراء تراجع القدرة الشرائية للناس، وهجرة مليارات الدولارات من رأس المال المحلي نحو دول الجوار.
وفكرة صرف المرتبات بآلية حملت صفة المؤقتة تعني إيجاد بديل للإيرادات لصرف المرتبات غير تلك التي يحددها القانون، وهي إيرادات النفط وغيرها من الإيرادات السيادية. ولذلك عمدت السلطة لإيجاد مخرج قانوني للصرف من أموال المؤسسات الإيرادية، أو ما تعرف بالوحدات المستقلة.
يصف مطهر محمد أحمد القانون المقر بأنه “وأد على الطريقة الرهوية”. ويوضح أن ضريبة القيمة المضافة فقط لعشرة أشهر وصلت إلى 205 مليارات ريال، فضلًا عن أن فروقات إيرادات وأرباح المؤسسات التي يراد وأدها يُورد منها 65% للخزينة العامة، ما يعني أن صرف المرتبات ينبغي أن يتم من الموارد السيادية كالضرائب والجمارك، حتى لا تتضرر الوحدات المستقلة.
سيؤدي صرف جزء من المرتبات بشكل شهري إلى تحسين القدرة الشرائية إلى حد ما، حيث سيشهد السوق في نهاية كل شهر تحركًا إيجابيًا وخلق فرص عمل وإن كانت محدودة. إلا أن هناك ضررًا سيلحق بالوحدات المستقلة، نتيجة عدم قدرتها على تطوير أنشطتها، لأن جزءًا من أموالها صار يورد إلى حساب الآلية المؤقتة لدعم فاتورة المرتبات. وبمرور الوقت، ستجد نفسها مجرد وحدات تدفع مرتبات وحوافز لموظفيها فقط، وغير قادرة على مواكبة التطورات وفتح مشاريع جديدة، ما يهدد بفشلها، فضلًا عن أن ما يُورد من فروقات إيرادات وأرباح هذه الوحدات للخزينة العامة سيقل بشكل كبير.
إنشاء المؤسسات الإيرادية بقوانين خاصة كان الهدف منه جعلها وحدات مستقلة ماليًا وإداريًا، أي أنها تستطيع التصرف بأموالها بعيدًا عن وزارة المالية، وتخضع لإشرافها وفق القانون المالي. وذلك حتى تتمكن من تطوير أدائها وتفعيل أنشطتها ومواكبة التطورات العالمية. وبدون هذه الاستقلالية ستصبح مجرد مؤسسات تتسلم إيرادات وتوزعها كمرتبات وحوافز فقط. إضافة إلى ذلك، فإن بعض الوحدات المستقلة تتمتع بعضوية في منظمات دولية تسير أنشطة محددة حول العالم، وتشترط عضويتها أن تكون مستقلة، مثل الهيئة العامة للطيران المدني والأرصاد، والمؤسسة العامة للاتصالات السلكية واللاسلكية. وهذا ما سينعكس سلبًا على هذه المؤسسات.
قسم مشروع القانون المقر في مادته العاشرة الموظفين الذين سيصرف لهم من حساب الآلية المؤقتة إلى ثلاث شرائح من حيث نسبة الصرف ومدته: الأولى صرف راتب كامل (100%) شهريًا لوحدات الخدمة كمجلسي النواب والشورى وأجهزة السلطة القضائية، والثانية صرف نصف راتب (50%) شهريًا كحد أدنى للوحدات التي لديها موارد كافية لتغطية فاتورة مرتباتها، والثالثة صرف نصف راتب (50%) كل ثلاثة أشهر كحد أدنى للوحدات التي تستلم مرتباتها من حساب الحكومة العام، ولديها موارد ذاتية كافية لتغطية فاتورة مرتباتها، أو لديها نفقات تشغيلية كبيرة تُصرف من حساب الحكومة العام.
ما يعني أن الجديد في عملية الصرف هو تغير التمويل جزئيًا بالنسب المحددة آنفًا من الإيرادات السيادية إلى إيرادات الآلية المؤقتة، والتي مصدرها أموال الوحدات المستقلة، ما يعني تخفيف الضغط على موارد الضرائب والجمارك وغيرها، وبعبارة أخرى توفير الأموال التي كانت تغطي نصف الراتب الذي كان يصرف في المناسبات.
كما أن مشروع القانون المقر يمنح وزير المالية صلاحيات واسعة، تجعل منه المتحكم بإيرادات مختلف الوحدات المستقلة، بالمخالفة لقوانين تلك الوحدات.
يتضح ذلك في المادة الثامنة التي منحت وزير المالية تفويضًا مطلقًا بتحديد الوحدات وفرض مبالغ الإيرادات التي تورد لدعم فاتورة المرتبات، ومنحته حق السحب من أرصدة تلك الجهات في مختلف البنوك. وذلك لا يناقض قوانين إنشاء تلك الوحدات فقط، وإنما يناقض القانون المالي، ما يعني أن عمليات تجريف للقوانين تتم تحت بند “يلغى أي حكم أو نص في أي قانون نافذ يتعارض مع أحكام هذا القانون”، وهو النص الذي يتكرر في أغلب مشاريع القوانين وتعديلاتها التي تقدمها سلطة صنعاء.
سيؤدي ذلك إلى فوضى قانونية ستربك الحكومة مع كل تطبيق على أرض الواقع، ما سيجعلها تعطي الكثير من وقتها وجهدها لتعديل القوانين وتقديم مشاريع قوانين، وكلما حلت إشكالية ظهرت إشكاليات، لأن القوانين في مجملها تمثل منظومة واحدة، فرضتها ظروف ومقتضيات الواقع ومرونة التطبيق.
أما مسألة حل مشكلة صغار المودعين، فهو ملف أعقد بكثير من ملف المرتبات، لأنه مرتبط بالوضع الاقتصادي وظروف الحرب ومشكلة الدين العام الداخلي، وحله لن يتم بمادة أو مواد وردت في سياق مشروع القانون المقر.