خاص | النقار
وكأن الأمر لا يعدو كونه اعتيادًا؛ فـ”الخطبة الخطبة والجمعة الجمعة” كما يقول المثل العالق في حناجر اليمنيين منذ زمن، ولا شيء يستجد في الداخل على الإطلاق. فالجوع والفقر والرواتب المقطوعة وحالة التردي الاقتصادي والمعيشي، التي أقل ما يمكن وصفها بالبائسة، ليست بمستجد حتى يكلف أحد نفسه الوقوف عندها ولو قليلاً. بل إن المستجد هو دائمًا في الخارج؛ فها هو نتنياهو يقيل وزير دفاعه غالانت، فيما يعود ترامب إلى البيت الأبيض من جديد، ولا بد إزاء هذين الحدثين من موقف وبيان وتحليل، فضلاً عن بعض الملاحظات المصحوبة بأرقام دقيقة عن قتلى الجنود الصهاينة في المعارك وما يعانيه الداخل الإسرائيلي من تفكك وتشرذم، خصوصًا مع بروز مشكلة تجنيد سبعة آلاف من اليهود الحريديم. وقد لا يُغفل أيضًا التعريج على فضيحة التسريبات في مكتب نتنياهو وسجن مقربين منه، وما قد ينجم عن ذلك من تداعيات.
كل هذا يتم تناوله بنظرة تحليلية ثاقبة يستفيد منها أولئك الذين تأتي بهم هذه القناة أو تلك تحت مسمى “الخبراء الاستراتيجيون”.
أما فوز ترامب في الانتخابات الأمريكية، فلا بأس من تجديد الموقف نفسه المتمثل في أنه “لا يعنينا الأمر من قريب أو بعيد، فلسنا من أولئك الذين سيهرعون إلى تهنئته، كما هو دأب الكثير من القادة العرب والمسلمين للأسف، الذين خذلوا فلسطين ولبنان… إلخ”، وأنه “لا ترامب ولا بايدن ولا أي مجرم في هذا العالم سيتمكن من أن يثنينا عن موقفنا الثابت المبدئي والديني في نصرة الشعب الفلسطيني.”
وهكذا، يصل الخطاب إلى ذروته المعتادة، ليشاركه أمراء مواقع التواصل الاجتماعي من أمثال أحمد حامد، ومحمد علي، ويحيى سريع، وحسين العزي، ونصر عامر، وطائفة لا تنتهي، من خلال تجزئته إلى تغريدات يتسابقون عليها بإخلاص منقطع النظير، يملؤون بها صفحاتهم، فيكونون بذلك قد أدوا واجبهم تجاه القائد والوطن، وناموا مستعدين ليوم الجمعة المقبل في ميدان السبعين والتقاط الصور، والعودة استعدادًا لنهاية الأسبوع التالي.
ثم تنهال رسائل الـ(GOV) على هواتف المواطنين برسائلها الأسبوعية التي مفادها: “استجابة لدعوة السيد القائد (حفظه الله)، لجنة نصرة الأقصى تدعو للخروج المليوني عصر الجمعة في ميدان السبعين بالعاصمة، وفي ساحات بقية المحافظات في مسيرات ‘مع غزة ولبنان جهوزية واستنفار ضد قوى الاستكبار’.”
وعليه، سيكون على أحمد الرهوي، رئيس الحكومة، أو نائبه محمد مفتاح، أن يقرأ بيان المسيرة يوم غد، ثم يعود أدراجه مختفيًا، باعتبار أن الحكومة التي يمثلانها هي الحكومة العورة التي يجب أن تظل غائبة عن أعين الناس، فلا تظهر إلا في الفعاليات والمناسبات، أو في إقرار الخطط الاستراتيجية الكبرى كإحياء فعالية الشهيد، أو جعل ذكرى قدوم الرسي إلى اليمن عطلة رسمية.