مؤلمة هي الكلمات التي أفصحت عنها تغريدة الشاعر في جماعة أنصار الله نشوان الغولي، وهو يتحدث عن إساءات تصله من جماعته، وعن انتقاص وصل حد وصفه بأنه مجرد يهودي من يهود ريدة.
مؤلمة على الأقل عند الغولي الذي اضطر للإفصاح عنها بدمعه لا بأحرفه. فربما لو أنه كان يهوديًا من صعدة لاختلف الأمر، ولرأينا جماعة أنصار الله يغضون الطرف عن تلك الخصلة، باعتبار أن "مؤمنو" صعدة ليسوا فقط يختلفون عن بقية "المؤمنين" من المحافظات الأخرى، بل ويهودها أيضًا يختلفون عن يهود المحافظات الأخرى. هكذا يبدو الأمر عند منتسبي أنصار الله من غير الصعداويين.
فعلى سبيل المثال، لو كان المشاط هو ذلك اليهودي، فإن مسألة كونه من صعدة ستظل لها اعتبارها ووزنها.
نشوان الغولي قال في تغريدته موجها كلامه للمشاط: "فخامة مهدي المشاط، سأعترف -وأنا طبعًا أول وآخر من يعترف بجرائمه وتاريخه الأسود من 1993 إلى هذه اللحظة، بعد الدعاء لك ولبطانتك الصالحة الطاهرة العفيفة الذين أيدك الله بهم. وخير وصف لي ما قاله الشاعر المجاهد المؤمن محمد الجرموزي- أني يهودي من ريدة وكنت عبدا لأولاد الأحمر".
وأضاف: "هذا الوصف الذي أيده ووافقه فيه السواد الأعظم من المنتسبين للمسيرة"، في إشارة إلى النعرات المناطقية التي أصبحت بادية للعيان في تخاطب سلطة صنعاء وقيادة أنصار الله مع المنتسبين للجماعة من غير أبناء صعدة.
لم يفصح الغولي بالضبط من الذي وصفه بذلك الوصف، هل هو محمد الجرموزي فعلاً، وإذا كان هو الجرموزي فلماذا وجه الغولي كلامه للمشاط وبتلك اللهجة المستهجنة بالدعاء له ولبطانته الصالحة الطاهرة العفيفة، حسب تعبير الغولي؟
حالات الفرز هذه حدثت كثيرًا مع منتسبي أنصار الله من غير الصعداويين. المنشد عيسى الليث مثلًا ناله من الانتقاص الكثير، فهو بالنسبة لجماعة صعدة مجرد "مزيّن بلا أصل"، وهو الذي بُح صوته وتقطعت حباله الصوتية وهو يملأ الدنيا صراخًا وزوامل. ومع ذلك ظلت تلك الانتقاصات من عيسى الليث متداولة على الأقل في الأوساط الضيقة إن لم تكن قد خرجت واضحة، فهم ما زالوا بحاجة إلى صوته وزوامله. حتى محمد الجرموزي نفسه ظهرت نحوه تلك النعرة، وإن حاول استعاضتها بقبيلة خولان كند لا يستهان به أمام قبيلة الحكم الصعداوية. الفارق مع الشاعر نشوان الغولي هو أن تلك النعرات ظهرت كما يقول هو في "السواد الأعظم من المنتسبين للمسيرة"، بمن فيهم البياض الأعظم أيضًا، باعتبار أن السواد لا بد وأن يشمل البياض، استنادًا إلى الآية القرآنية "والليل إذا يغشاها".
بطبيعة الحال ليست المسألة هنا انتقاصًا من اليهودي كيهودي وإنما من دلالة مثل هذا المصطلح عند جماعة أنصار الله بالذات. فهي جماعة ذات إرث يمتد لمئات السنين من الفرز والنعرات التي يستسلم لها المجتمع أحيانًا ويلفظها أحيانًا أخرى. فحتى لو كان نشوان الغولي يهوديًا فعلاً فلن يُنقص ذلك من يمنيته شيئًا على الأقل في نظر اليمنيين، أما في نظر جماعته فيبدو أن للمرض أعراضًا خطيرة. فإذا كانت تلك الجماعة تنظر للغولي، الذي هو واحد من أفرادها المتفانين، بأنه مجرد يهودي من ريدة فأي لياقة تبقت بعد لديها؟! وكيف لها أن تغدو في الأيام المقبلة ومع الأقوام الأخرى الذين تقول إنها تسعى لتحريرهم وفتح بلدانهم، حسب ما تزعم ويزعم خطابها الإعلامي؟! هل لجماعة تصل إلى هذا الحد من التشنيع والتجريح مع منتسبيها؟