اشتعلت سماء صنعاء بالألعاب النارية، أصوات مرتفعة ومتلاحقة ومألوفة، لكنها تزايدت واستمرت وقتًا أطول، كان الناس في بيوتهم كعادتهم الليلية، بينما الشوارع فارغة إلاّ من عبور السيارات، استمرت الألعاب النارية لبعض الوقت، المواطنون يظنونها مراسيم أعراس أو عودة حجاج، لم يكن أي شيء يلفتهم، حتى بدأت الجبال المحيطة بصنعاء بإشعال المزيد من الألعاب النارية، وبشكل قوي وصوت مدوي، وهنا توقف الناس، وخرجوا لمعرفة ما يجري، وفتحوا شاشات التلفزيون، كان ليل المدينة يشتعل، وشاشة التلفزيون تنفل مشاعل الإحتفالات في صنعاء وذمار والحديدة وعمران وصعدة، احتفالات الولاية. أو ما يطلق عليه مناسبة الغدير، كانت القبضة السلطوية تحتفل بموعد لا يعرفه الناس، ويوم لا يعطيه المواطنون أيّ اهتمام.
سلطة سخرت كل الإمكانيات، وكل القدرات، وكل الثروات لأجل الظهور باحتفال كبير، احتفال دخيل وغريب وغير معروف، في توقيت يعيش فيه اليمنيون فترات معيشية صعبة وشاقة وشحيحة المصادر والحياة، مساء اليوم، كانت سيارات الدولة تسير في الشوارع والحارات لتعطي أتباعها الألعاب النارية، في كل الشوارع والنواحي، يصاحبه نقل مباشر بوسائلهم الإعلامية المرئية والمسموعة، كانت صنعاء تعيش حالة من خيال بعيد، كأنها ليست هي، وشعبها ليس هو، وطقوسها صارت من زمن أخر، شوارع راضخة لأشكال جديدة، وبيوت تحتضن أبناءها بصمت وخوف وخذلان، لا المدينة تنتمي للناس، ولا البيوت تشبه الشوارع، ولا النفوس تعترف بما يجري في حياتها، إنه عالم مختلف، ووضع مختلف، واحتفال غير معروف، في زمن استثنائي، وشعب لا يملك سلطة تعنيه ودولة تمثله، كل مافي الأمر أن إمكانيات الشعب ودولته مشغولة بقريش، وتعيش تفاصيل قريش، هكذا في كل تعاطياتها، إن السلطة والدولة في مناطق صنعاء ومدنها ومحافظاتها، تعيش زمنً أخر، وتتخيل صلاحياتها في مكان مختلف، زمن من الماضي، ومكان من الخيال، هذا واقع اليمنيين في هذا الزمان والمكان، زمن قريش وطغاة قريش.