"مرحبا بكم في تعز" إنها العبارة التي نصبت على مدخل المدينة ترحيبا بالعائدين إلى بيوتهم.
تصبح العبارات الرنانة مفخخات وعبوات ناسفة هي الأخرى، حيث تستغوي وتستجلب حالة خدر فائقة العيار إلى فخ وشرك بمستواها. فلا أحد يعرف من هو بالضبط ذلك المرحب به في اللوحة، هل هو المواطن الذي تمتهن كرامته عند أول نقطة عسكرية بكونه يحمل لقبا ليس من ضمن الألقاب المسموح لها بالدخول، أم هو ذلك الذي عاد لتفقد بيته بعد تسع سنوات من الحرب ليتم الزج به في "بيت خاله" بدلا عن بيته، أم هو ذلك الذي فرح بخبر فتح الطريق إلى المدينة فآثر أن يزور أقاربه وأرحامه، ناسيا أن ملامح المدينة قد محيت وتحولت إلى غابة لحى لا تختلف عن تلك التي في الحوبان في شيء، سوى أنه فارق الشعارات التي يقتضيها الموقف والظرف المناسب لكلتا الجماعتين، وأنه لا أنساب تُحفظ ويُعطى لها اعتبارها عند هؤلاء وهؤلاء على حد سواء. هكذا يُفعل باليمنيين هنا وهناك، ثم تأتي اللوحة لتقول مرحبا بكم في تعز.
حتى الآن، أُعلِن عن ستة ناشطين قامت سلطة تعز في جانب الشرعية باعتقالهم، وهم: خليل أحمد عبدالوهاب، إبراهيم سيف التهامي، يحيى بحرين، عبدالفتاح الشرماني، فؤاد يحيى، ناجي الشياحي... وأغلب هؤلاء دخلوا المدينة إما لزيارة أقاربهم أو لتفقد منازلهم المهجورة منذ سنوات، كما هو حال الناشط خليل عبد الوهاب، والذي لا يزال معتقلا لليوم الرابع على التوالي.
خليل قدم مع أسرته، بعد سنوات من الاغتراب والمنفى داخل الوطن، إلى المدينة التي تم الإعلان عن فتح شريان الوصول الوحيد إليها. هناك سيزور أهله وأقاربه ويتفقد منزله المهجور في حي الدحي بالمدينة، ويقضي أيام العيد ضمن أجواء عائلية تستعيد بعضا مما افتقدته طيلة عقد من الزمان، وإذا به يقضي أيام عيده لدى أجهزة سلطة تعز التي اختطفته بعد ساعات من دخوله المدينة.
ناشطون أكدوا أن أطقما تابعة للفصائل الأمنية بالمدينة باشرت الناشط خليل عبد الوهاب بعد ساعات فقط من دخوله المنزل إثر بلاغ تلقته من عاقل حارة الدحي، والذي يبدو أن صيغة بلاغه كانت على النحو التالي: "العثور على كائن مشبوه يدخل يدخل هو وعائلته أحد المنازل في حارة الدحي". فالمنازل في المدينة أصبحت بلا هوية تماما كأصحابها الذين تهجروا منها قسرا فجاء أغراب ليصبحوا هم أصحابها.
كان خليل عبد الوهاب قد غادر منزله بمدينة تعز إثر اندلاع الحرب عام 2015، مستقرا في صنعاء. وخلال سنوات استقراره في صنعاء لم يعرف عنه أي نشاط سياسي مع جماعة أنصار الله أو ضد سلطات الأمر الواقع في تعز، كما أنه لم يكن حتى مطلوبا أمنيا لدى حكومة الضفة الأخرى من البلد الممزق، بدليل أنه سافر أكثر من مرة عبر مطار عدن الدولي، كان اخرها قبل حوالي 4 أشهر، حسب ناشطين.
وبالتالي فالرجل لا علاقة له بالحرب ولا بأطرافها من قريب أو بعيد، سوى أن القدر ساقه إلى صنعاء بعد أنه أخرجه من منزله في تعز. كما أنه يعاني من مرض في القلب، ويتعاطى العلاج بشكل دائم، أي أن حياته مهددة في ظل هكذا اعتقال لا سياق له سوى أنه يأتي كرسالة ترهيب للذين يحلمون أو يفكرون بالعودة إلى منازلهم في مدينة تعز بعد أن سكنتها "كائنات الشوق الآخر" مع الاعتذار لديوان البردوني وصاحبه.
لا يستبعد ناشطون أن تكون عملية اعتقال خليل عبد الوهاب لها علاقة بالمنازل التي تم احتلالها من قبل فصائل وقيادات سلطة تعز وتحويل عدد كبير منها إلى ملكية لهم، فيما يجري استثمار عدد آخر لصالح نافذين.
ربما أن الناشط خليل عبد الوهاب وآلافا غيره من أبناء مدينة تعز التي خرجوا منها قسرا، كانوا ينتظرون بفارغ الصبر تلك اللحظة التي يتم فيها الإعلان عن فتح الطريق إلى مدينتهم، للتخفيف من معاناة الناس وعودتهم إلى منازلهم بعد رحلة طويلة من العذاب والجوع والتشرد خلال عقد من الزمن، وربما أنه وقف أمام تلك اللوحة المنتصبة عند مدخل المدينة ملتقطا إلى جانبها الصورة الفخ، وإذا به يُعتقل ويتم الزج به في السجن، كما لو كانت مدينة تعز هكذا تستقبل أبناءها العائدين.