• الساعة الآن 10:09 PM
  • 20℃ صنعاء, اليمن
  • -18℃ صنعاء, اليمن

4G صعدة .. عدو العقيدة والولاء

news-details

 


من بين كل المحافظات اليمنية، حُرمت محافظة صعدة من خدمة إنترنت الجيل الرابع 4G، في الوقت الذي يدفع فيه أبناء المحافظة، البالغ عدد سكانها أكثر من 850 ألف شخص، أسعارا مرتفعة لما هو متاح من خدمة الإنترنت الضعيفة للغاية المتمثلة في (1x) وبانقطاع مستمر لا يتيح أي شكل للاستخدام الطبيعي، مع ضعف شبكة الاتصال.

يعود حرمان المحافظة من خدمة "الفورجي" إلى العام 2022، إذ تم تدشين الخدمة في شهر سبتمبر من ذلك العام، ثم تم قطعها بعد أقل من شهر، في شهر أكتوبر التالي، دون إبداء توضيحات رسمية من الجهات المعنية وعلى رأسها وزارة الاتصالات وشركة يمن موبايل وسلطة المحافظة المحلية، وحتى الآن لا تزال خدمة "الفورجي" منقطعة في صعدة، أو محظورة بتعبير أدق.
 
وبعد قطع الخدمة في ذلك الوقت جرى تداول تكهناتللناشطين على الإنترنت بأن أبناء محافظة صعدة يتم استهدافهم وإغلاق وسائل الاتصال عليهم دونا عن باقي المواطنين اليمنيين، لكن وزير الاتصالات في حكومة صنعاء مسفر النمير، كتب على إكس تغريدة في 25 أكتوبر 2022، ألمح فيها إلى أن الموضوع بيد السلطة المحلية بالمحافظة والتابعة لسلطة جماعة "أنصار الله"، وقال موجها الحديث لأهالي صعدة: "نحن نتعامل مع سلطة محلية بالمحافظة وهي من تمثل الناس والمجتمع". 
 
كما أعلنت شركة YOU هي الأخرى في سبتمبر 2022 إطلاق خدمة الفورجي في صعدة، وقالت حينذاك إن "مدينة صعدة تنضم لعالم السرعة من YOU"، إلا أنه سرعان ما تم تنحية صعدة من عالم السرعة مبكرا وعزلها عن هذا العالم.
 
وعلمت "النقار" أن العزل والغلق يصل إلى درجة أخذ تصاريح لازمة من مشرفي المحافظة للحصول على خط أرضي للاتصال، حيث يواجه الأهالي تعقيدات جسيمة تمنعهم من تركيب الخطوط الأرضية كخدمة أساسية للمنازل، وذلك منعا لتوفير شبكات الإنترنت في منازل المحافظة التي تعاني بالأساس من ضعف شديد في شبكة الاتصال. 
 
وحيال ذلك يضطر أبناء صعدة إلى تحمل تردي خدمة "1x" التي لا تسعف المستخدمين لنشر تغريدة على إكس، أو حتى إظهار الصور المنشورة على المنصات والتي تظل مجرد صور سوداء إلى حين تحميلها خلال وقت طويل يتراوح بين نصف ساعة وساعة فأكثر، وهو ما يقابله مستخدمو صعدة أو زوارها بانتقادات لا تستثني أحدا من المسؤولين عن حرمان المحافظة من الإنترنت لأسباب مثيرة للسخرية.
 
 
أسباب الغلق: ازدواجية المؤمنين
يؤكد أبناء المحافظة أن حرمانهم من الإنترنت يأتي لأسباب واهية أبرزها الحفاظ على ما تسميه جماعة أنصار الله "الهوية الإيمانية" وصون أبناء صعدة من الإنترنت السريع وخدمة الفورجي، باعتبار ذلك حافزا للانحراف الأخلاقي، إضافة إلى محاولات الجماعة أن تضمن إبقاء أبناء صعدةتحت جناحها وسيطرتها دون الانفتاح على ثقافات مخالفة للجماعة تحت عنوان الحرص على ولائهم وتسليمهم للجماعة، رغم وجود العديد من السكان الذين ليسوا ضمن دائرة الأنصار، ووجود مناطق بصعدة غير موالية للجماعة، أو غير خاضعة لسيطرتها.
 
مثل هذه المبررات تتخذها الجماعة مبدأ معمولا به إزاء محافظة صعدة التي هي المعقل الأول لـ"أنصار الله"، رغم أن قياداتها ومشرفيها وناشطيها يتمتعون بحرية استخدام الإنترنت في صنعاء وباقي المحافظات، وهو ما يعتبره ناشطون ازدواجا فاضحا في معايير الجماعة، ويعكس استغفالا غير مبرر لأبناء صعدة. 
 
ويذهب البعض إلى القول بأن حرمانهم من الإنترنت لن يكون الوسيلة الأمثل لضمان الجماعة ولاء بعض أبناء المحافظة لها، متهمين الجماعة بالغباء من خلال ربط "الهوية الإيمانية" بالإنترنت الذي يعد حاجة أساسية لاستخدامات كثيرة منها الدراسة وتنفيذ الأعمال والاتصال بالأقرباء والأشخاص في الداخل والخارج ومتابعة الأخبار والبحث والاطلاع على المعلومات وغير ذلك كحقوق مكفولة لإنسان القرن الحادي والعشرين، بينما يعتبر آخرون في صعدة أن جماعة "أنصار الله" تتعامل معهم كمواطنين "درجة ثانية"، وفقا للتعليقات على "إكس". 
 
وبطبيعة الحال فإن القول بأن جماعة "أنصار الله" تسعى إلى تحصين مجتمع صعدة من "انحرافات" الإنترنت، يستدعي مساءلة الجماعة بشأن طبيعة نظرتها إلى المجتمع اليمني كافة، إذ يعبر "تحصين صعدة" عن نظرة دونية إلى اليمنيين والتعامل مع صعدة على نحو عنصري ومناطقي كأرض تمتاز عن باقي المناطق اليمنية.
 
ومن جملة التعليقات ما ذكره السياسي والقيادي السابق في جماعة "أنصار الله"، صالح هبرة، والذي يصف "الخوف من مشاهدة المواقع الإباحية" بأنه "عذر أقبح من ذنب وإساءة بحق أبناء صعدة"، وأن ما يتم تداوله يدل على "فشل أنصار الله في تحصين الناس بالوعي في وكرِهم وأن جهودهم كلها فاشلة، وعليهم أن يراجعوا خطابهم الديني ويبتكروا أساليب جديدة تقنع الشباب بقيم الدين، وأبرزها أن يروا قيم الدين تتجسد في سلوكنا ومعاملاتنا معهم، فالدين والقيم لا تنتشر بالمحاضرات والخطابات وإنما بالقدوة الحسنة". 
 
ويتساءل هبرة عما إذا كان سبب منع "الفورجي" هو "أن تبقى صعدة معزولة عن معرفة ما يجري حول العالم، وعما يقال وما يكتب؛ بحيث يسهل تدجينها وتزييف وعي أبنائها؛ لأنه قد يساعد على كشف حقيقة الواقع ومعرفة ما يجري وهذا يتنافى مع سياسة التجهيل والتدجين".
 
وقد يكون "من منطلق الخوف كون صعدة تمثل الحاضنة الرئيسة، وفتح المجال أمام الشباب للاطلاع على الواقع من حولهم يكشف سوء ما هم عليه وفضح زيف ما ننقله لهم عبر قنواتنا وإعلامنا؛ ما يساعد على خلق وعي مجتمعي لدى الشباب يقود للتحرر وعدم الانصياع لموجة التجهيل وتزييف الوعي".
 
ولا يستبعد هبرة أن تكون هناك "دوافع تجارية كون الثري جي يدر عليهم أموالا طائلة بسبب ثقله"، مطالبا جماعة "أنصار الله" بمراجعة القرار والتوجيه بإعادة توصيلالفورجي "قبل أن تتعروا أمام حاضنتكم إن بقي لكم حاضنة". 
 
 
أصوات مؤيدة تستفز "صعدة"
في مقابل الشكاوى المستمرة منذ قرابة عامين من الانقطاع والانتقادات الحادة الموجهة لوزارة الاتصالات، تعالتأصوات -عبر الإنترنت- تطالب الوزارة بعدم تلبية مطالب أبناء صعدة والاستمرار في قطع الإنترنت عنهم بل والتضييق على اليمنيين جميعا في كافة المحافظات اليمنية. 
 
مثل هذا قاله القيادي في "أنصار الله" توفيق المشاط، شقيق مجلس صنعاء السياسي الأعلى مهدي المشاط، إذ منح توفيق نفسه الحق في اختيار مصير اليمنيين، وطالب وزير الاتصالات "بعدم فتح شبكة 4G في صعدة، لأن المجتمع هناك ما زال محصنا من الفساد، ونأمل تخفيف الشبكة تدريجيا على مستوى اليمن، من أجل الأجيال تقوم بدون نت"، علما بأن المشاط كتب الكلمة "الاجيل" وقام محرر النقار بتصحيحها. 
 
وفي نظر آخرين موالين، مثل المستخدم "محمد السويدي" على "إكس"، فإن "الإنترنت يفسد عقيدة الناس ويعلمهم الثقافات المغلوطة، فالإنترنت عدو آل البيت الأطهار الأخيار، يجب على صعدة أن تكون بدون نت حتى يكون تولي أهلها هو التولي الصحيح وتمسكهم بالعترة وتسليمهم المطلق لأعلام الهدى كما أمرهم الله". 
 
 
احتراز أمني.. من ماذا؟ 
إلى جانب ما سبق ذكره حول الدواعي "الإيمانية" لعزل "صعدة المقدسة" كما يسميها "أنصار الله"، تحاول الجماعة أيضا أن تمنح منع الإنترنت في صعدة بعدا أمنيا على سبيل الاحتراز.
 
ويؤكد ذلك مصدر بشركة يمن موبايل فضّل عدم الكشف عن هويته، ويقول لـ"النقار" إن "أنصار الله فرضوا على الشركة وعلى شركة YOU وسبأفون أيضا عدم تغطية صعدة بالإنترنت لاعتبارات أمنية لكنها غير واضحة". 
 
ويضيف المصدر: "هناك نظرة مختلفة بخصوص صعدة من قبل أنصار الله، فصعدة هي المحافظة الأم لأنصار اللهويتم النظر إليها كمحافظة ذات خصوصية عقائديةواجتماعية، وأنها حدودية مع السعودية، لكن نؤكد أن مثل هذه النظرة مضحكة وغير واقعية، ولا علاقة لقرب النطاق الجغرافي باحتمال حدوث اختراق وتجسس من عدمه، فالهاكر الذي في الصين يمكنه اختراق حاسوب في الشرق الأوسط أو في أمريكا وهو في مكانه". 
 
ويتابع المصدر مصرحا لـ"النقار" بأنه يتم التنسيق في الوقت الراهن لإعادة خدمة "الفورجي" وفق عدة اشتراطات منها تحديد سرعات معينة.
 
ويزيد بقوله: "توقف الفورجي في صعدة وعدم توفير الإمكانيات المطلوبة من أجل تدشينها واستمرارها في صعدة يضر بالشركة وبأي شركة اتصال، فالتغطية الجزئية تؤثر على عوائد الشركة، كما أنها تفقدها ثقة المستخدمين". 
 
ومع الجدل القائم في منصات التواصل الاجتماعي حول حظر خدمة "الفورجي" في صعدة، نشر وزير الاتصالات مسفر النمير صورة مبهمة علق عليها: "قريبا"، وهي صورة برج حجري قديم. 
 
وتكهن البعض بأن الوزير يشير إلى قرب إدخال خدمة "الفورجي" إلى صعدة، فيما طالب آخرون النمير بـ"الخجل قليلا" أو تقديم الاستقالة، معتبرين أن من المخجل الحديث عن توفير إنترنت في العام 2024.
 
وحتى لحظة كتابة هذا التقرير لم تخرج الوزارة أو أي شركة اتصال للتوضيح والرد رسميا على حملة الناشطين اليمنيين في منصات التواصل ضدها بسبب قطع "الفورجي" عن صعدة.

شارك الخبر: