"ليس لي إلا الله وبندقيتي وغنمي فواجهوني لو كنتم رجالا" تلك واحدة من صرخات القهر التي أطلقها عارف قطران، وهو يرى ألا حيلة له ولأسرته مع سلطة صماء أسكرتها القوة ولم تعد في وارد أن تسمع شيئا ولا أن تستجيب لأي صوت، وكأنما صارت مصداقا حقيقيا لهذا السياق القرآني {وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُعۡجِبُكَ قَوۡلُهُۥ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَيُشۡهِدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلۡبِهِۦ وَهُوَ أَلَدُّ ٱلۡخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي ٱلۡأَرۡضِ لِيُفۡسِدَ فِيهَا وَيُهۡلِكَ ٱلۡحَرۡثَ وَٱلنَّسۡلَۚ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلۡفَسَادَ وَإِذَا قِيلَ لَهُ ٱتَّقِ ٱللَّهَ أَخَذَتۡهُ ٱلۡعِزَّةُ بِٱلۡإِثۡمِۚ فَحَسۡبُهُۥ جَهَنَّمُۖ وَلَبِئۡسَ ٱلۡمِهَادُ} [سورة البقرة ٢٠٤-٢٠٦].
عارف قطران شقيق القاضي عبد الوهاب، المعتقل منذ أربعة أشهر في سجن جهاز الأمن والمخابرات التابع لسلطة صنعاء، يتحدث بحرقة مبكية ومؤلمة لكل يمني عما سماها "دولة السادة" التي أفرزتها سلطة طيرمانات سجنت شقيقه دون مبرر سوى أنه قال كلمة حق في وجهها. يتحدث بلسان حال المواطن الذي أهدرت كرامته واستبيحت بكل صلف وإمعان، فشعر بأنه وحيد مهجور مستضعف، وليس لديه إلا شجاعته وبندقيته كي يواجه حجم هذا الظلمي الذي بلغ مداه ووصل منتهاه وأوصل المرء إلى فقده كرامته وشعوره بأن الموت شرف وعز. بعد هذا لم يعد ثمة من مجال للصمت والسكوت. وبالتالي لم ولن يسكت، بل يخرج بمقطع فيديو من نحو ثلاث دقائق بلسان القهر والصدق وعدم محاولة تزويق كلامه ولا محاولا توجيه خطاب سياسي من تلك التي ملها الناس وسئموها، بل كي يقول لظالميه بأسمائهم وسيماهم واجهوني إن كنتم أكفاء، واجهوني واحدا واحدا أو جميعا، وجها لوجه بحد النصال أو خشوم البنادق، ودعوا الجيش للدفاع عن البلاد. يتحدى تلك الأسماء الشرهة "المقروطة" بتسكين الراء وكسر الواو بـ"واجهوني لو كنتم رجالا".
أصبح عارف قطران والفيديو القصير الذي ظهر فيه ببندقيته وزيه المعتاد ووجهه الممتلئ قهرا وظلما والمتطايرة من عينيه الشجاعة والإباء، هو عنوان الصدارة على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث أشعلت تلك الكلمات الحارة صفحات عدد كبير من السياسيين والناشطين رصدت شبكة النقار جزءا منها.
السياسي والسفير والبرلماني السابق فيصل أمين أبوراس كتب معلقا: "كيف لجماعة تهب لنصرة شعب يباد وتتمادى في ظلم وقهر أبناء شعبها؟! عارف قطران حر أبي من همدان ينتفض لمظلومية أخيه".
أما الناشط مجدي عقبة فقال: "شاهدت فيديو الاخ عارف قطران شقيق القاضي عبدالوهاب قطران وليتني ما شاهدته. اللهم إنا نعوذ بك من قهر الرجال".
وأضاف في تغريدة أخرى: "قضية القاضي عبدالوهاب قطران ماعاد ينفع معها الا القبيلة بنفس طريقة فيصل رجب. الهاشتاقات والحملات ومحاولة ترميزه هي من أبقته في السجن كل هذه المدة وستبقيه أكثر إذا استمرت. خلوا الراجل يخرج لا عاد اخوه يلحق بعده.. هل تأملتم حجم القهر في كلام عارف قطران؟ أرجوكم خلونا نفكر بالحلول بدل العنتريات".
مراسل قناة المنار في صنعاء خليل العمري كتب متألما بالقول: "عندما يُظلم الإنسان والناس يتفرجوا عليه ويحس انه وحيد ما معه الا شجاعته وبندقه! لا أريد مطلقا أن أجرب مرارة هذا الشعور، ولا أريد لكم تجريب نتائجه"، مستشهدا ببيت للشاعر عبد الله البردوني يقول:
حين تُمحا الدروبُ إلا طريق للدواهي تغري أمَرّ وأدهى
وعودا على بدء، لن تنفك الأصوات المنددة بسياسة سلطة صنعاء عن عنفوان وإصرار تستمدهما من ضعف الأصوات نفسها، في الوقت الذي لا تستمد تلك السلطة وبكل ما لديها من قوة باطشة سوى الوهن والتآكل يوما بعد آخر، حتى إذا جاء اليوم الأخير لها ستكون هي آخر من يعلم بأنه لم يعد لديها شيء تملكه لمداراة مصيرها. تلك هي حتمية التاريخ، فضلا عن كونها حتمية القدر والأوطان، فهل تدرك سلطة صنعاء ذلك، أم أنها ستستمر في غيها كباقي سلطات ذهبت إلى غير رجعة قديما وحديثا؟! هذا هو السؤال الذي يحاول ما تبقى من سياسيي الوطن إيصاله إليها.