القيادي البارز في حزب البعث العربي الاشتراكي ـ قطر اليمن، وعضو الهيئة التنفيذية للقاء المشترك ثم رئيسها لثلاث فترات، والناطق الرسمي لثلاث دورات أيضاً، ثم عضو اللجنة الثورية العليا لجماعة أنصار الله، فسفير اليمن عن الجماعة في دمشق التي وصلها بعد محاولات كثيرة جرت لمنع وصوله وتعميم اسمه على كافة المنافذ الدولية، ذاك بعض مما يمكن إيجازه عن السياسي والشخصية ذات الأثر في الساحة اليمنية نايف القانص.
في هذا الحوار الاستثنائي الذي تجريه معه شبكة "النقار"، يطل السياسي المخضرم نايف القانص متحدثاًعن المجهول الذي يكتنف المشهد اليمني عموماً في ظل غياب الحل السياسي، الذي هو من وجهة نظره الطريق المختصر للأمن والاستقرار في اليمن من خلال إعادة الحياة الديمقراطية عبر الاتفاق على شكل الدولة وفصل الدين عن الدولة، وفق دستور يحفظ الحقوق والتنوع ويعيد للدين قيمته الروحية ويمنع المتاجرة به ويحافظ على النسيج الاجتماعي اليمني.
النقار: بعد دخول الحرب عامها العاشر، وبالنظر إلى تطور الأحداث في البحر الأحمر، هل ترى أن ثمة انفراجة قريبة، ولماذا؟
القانص: نحن اليوم على مشارف العام العاشر وما يزال الشعب اليمني يعاني الأمرَّين بين كماشة الحرب والحصار والأوضاع الاقتصادية القاتلة وحالة الانقسام والتمزق التي تتحكم فيه القوى المتناحرة وتتقاسم الجغرافيا اليمنيةوتتحكم بالمقدرات الاقتصادية واستخدامها لصالح مكوناتها، ولم نجد أي جماعة من الجماعات المتناحرة تحمل الهم الوطني، فهم يختلفون في كل شيء لكنهم جميعاً متفقون على معاناة الشعب اليمني واستمرار الوضع كماهو عليه الآن بهدنة غير معلنة لا تحمل التزامات على أطراف الصراع، فمن يدير الأزمة والحرب ويكوّن ثروات هائلة منها لا يمكنه أن يدير ملف التفاوض والسلام.
النقار: لماذا تأخرت "التغييرات الجذرية"؟ وبرأيك ما مدى جدواها إن حدثت؟
القانص: معنى التغيير الجذري هو تغيير في بنية النظام الحالي والكوادر التي تكون مؤهلة لقيادة التغيير في مؤسسات الدولة بإدارتها بمنظومة إلكترونية متكاملة تهدف إلى تحويل العمل الإداري العادي من إدارة يدوية إلى إدراة باستخدام الحاسوب، وذلك بالاعتماد على استخدام نظم معلوماتية قوية تساعد في اتخاذ القرار الإداري بأسرع وقت وبأقل تكلفة وتحاصر الفساد المالي والإداري.
كل هذا يحتاج إلى رؤية استراتيجية وإمكانيات كبيرة،وعلى ضوء ذلك تُعلَن التغييرات الجذرية وما سيترتب عليها من التزامات وإصلاحات كبيرة، وبنفس الوقت أنت لا تستطيع أن تغطي رواتب الموظفين المنقطعة منذ ٢٠١٦، فكيف ستوجد مقومات التغيير الجذري؟
أعتقد كان القرار متسرعاً وغير مدروس، وكان تهدئة للوضع الداخلي المحتقن وهروباً إلى الأمام، فجاءت أحداث غزة التي رأت فيها صنعاء فرصة للخروج من الضغط الداخلي، وتصدَّر مشهد نصرة غزة التي تواجهوحيدةً الكيان الصهيوني المدعوم من أقوى دول العالم،وبطبيعة الشعب اليمني المناصر لفلسطين منذ أن وطئالاستعمار الصهيوني فلسطين، لاقى هذا الموقف تأييداًشعبياً وأخذت القضية الفلسطينية كل تفكير وهموم اليمنيين معها، ونسيت همها والتغييرات الجذرية وخصوصاًبعد أن توسعت المواجهات وانتقلت الأزمة اليمنية من المحلية والإقليمية إلى الدولية وصراع الممرات المائية مع القوى العظمى التي تربطها بالمنطقة مصالح عالمية وباعتبار الكيان الصهيوني ذراعها في المنطقة ولن تتركه في مواجهةمصيره وما يهدد وجوده في الوقت الذي كانت تعمل على مشروع التطبيع مع دول المنطقة.
النقار: تصف النخبة السياسية المعارضة في صنعاء الوضع بأنه ذهاب إلى المجهول بالنظر إلى انعدام الأفق السياسي، هل ستستمر سلطة صنعاء في الهروب من مسؤولياتها إلى المجهول؟ وأين يمكن أن يتوقف بالنسبة لها ذلك المجهول؟
القانص: فعلاً هو هروب إلى المجهول لأن الأفق السياسي الآن أصبح معقداً أكثر، رغم التقارب الكبير مع السعودية التي تشكل اللاعب الرئيسي في الملف اليمني وتستطيع أن تفرض رؤيتها للحل في اليمن على المكونات التي دعمتها،ولكن اليوم أصبح الملف اليمني مرتبطاً بأزمة عالمية،واختلفت وجهات النظر بين الدول التي كُلفت من مجلس الأمن برعاية الملف اليمني بعد وضعها على البند السابع (أمريكا وبريطانيا والسعودية والإمارات)، وأمريكا وبريطانيا وحلفاؤهما في مواجهة مباشرة الآن مع صنعاء في البحرين الأحمر والعربي، والسعودية لديها مخاوف كبيرة مما يحدث في البحر الأحمر وقد تكون الهدف الأهم من كل هذه الأحداث، وهي تدرك ذلك وتحاول بكل قدراتها أن تتوصل إلى تسوية مع صنعاء، وفي نفس الوقت تحاول أمريكا وبريطانيا تعطيل أي اتفاق سلام حالياً وهما أمام خيار التصعيد العسكري.
النقار: في سياق الحديث عن السلام، إلى أي مدى يقف مبدأ الولاية لدى أنصار الله كعقبة سياسية أمام الانفتاح على الشراكة الوطنية وعلى النظام الديمقراطي؟
القانص: الشراكة الوطنية صورية بالنسبة لهم، وكل القرارات التي تُتخذ مركزية ولم يشارك فيها أي طرف وطني. أما النظام الديمقراطي فليس له مكان في منظومة الحكم الإلهي، فتداخُل السياسة والدين من أكبر المعضلات التي تواجه المجتمعات، ومنذ زمن حاول الغرب التحرر من هذه المعضلة لكننا ما زلنا واقعين فيها، فعندما يغيب الوضوح التام حول مسألة المعنى والمكانة الخاصة للعقائد الدينية في المجتمع الذي تسيطر عليه العاطفة الدينية ويسوده الجهل والفقر والتخلف وتسيطر عليه جماعة دينية منغلقة على ذاتها، فمن الصعب أن نصل إلى تحرير السياسة وإنقاذها من كل ما ليس منها، فالدين والمعتقدات المذهبية دخلاء على السياسة وتُعطّل الديمقراطية وتساعدعلى الشمولية والعبودية.
يجب تجريد السياسة فكراً وعملاً من الزوائد والشوائب، وتحرير المجالات الأخرى من هَمِّ السياسة بما فيها الأديان والمذاهب إذا أردنا الانتقال إلى الديمقراطية والأمن والاستقرار والتنمية والبناء، وما دون ذلك عبث لن يخرجنا إلى طريق.
النقار: قلت مطلع فبراير الماضي إن "ذهنية الاستبداد والشمولية والتطرف الديني أصبحت المسيطرة داخل المجتمع اليمني" وإننا "أمام نضال مقدس لتحرير عقلية المواطن من هذه الذهنية التي تقضي على الحرية والوحدة والنسيج الاجتماعي"، هل الفساد الذي نواجههاليوم هو نتيجة تسلط هذه الذهنية الاستبدادية؟ وكيف يكون الكفاح للحفاظ على الحرية والوحدة والنسيج الاجتماعي برأيك؟
القانص: أعتقد أن جزءاً كبيراً من الرد على هذا السؤال شمله السؤال السابق، فمعضلة الدين في إدارة الدولة هي الإشكالية التي نعاني منها منذ قيام ثورة ٢٦ سبتمبر بعد تحرير اليمن من الحكم الشمولي ومعتقدات الخرافة،وبعد الثورة حدث تراجع كبير وبدأت الجماعات الدينية تسيطر تدريجياً على القرار السياسي بنسخة الإخوان المسلمين وبدعم من القبيلة وفي مواجهة مستمرة مع الطرف الثالث (العسكر)، وكانت في مراحل مفصلية تتحالف القوى الثلاث ليكون الضحية الشعب، وعدم الاستقرار السياسي،تلى ذلك حرب باردة داخل الدولة بين المذاهب الدينية لإعادة تموضع القوى الدينية التي كانت تتحكم في القرار قبل الثورة، ومنها إلى إحداث الحروب الست، ومن ثم إلى ما نحن عليه اليوم. كل هذه التراكمات إعادة منظومة سيطرة الأفكار الدينية المتخلفة على المجتمع من جديد، وقد كنا نعاني من المركز المقدس، وأصبح لدينا الفرد المقدس.
النقار: ذهاباً إلى الملف الدبلوماسي اليمني، لماذا أنهت سوريا عمل بعثة صنعاء الدبلوماسية في دمشق؟
القانص: بإمكانك أن توجه هذا السؤال للحكومة السورية،لستُ مخولاً بالرد على هذا.
النقار: تعرضت لحملة من قبل بعض المحسوبين على أنصار الله وتم اتهامك بـ"الفساد"، لماذا مثل هذه الحملة برأيك ومن يقف وراءها؟
القانص: الجماعة لم تستوعب أن العمل الدبلوماسي انفتاح مع الدولة والمجتمع الذي أنت مبتعث فيه ومع كل البعثات الدبلوماسية المعتمدة، وأن العمل الدبلوماسي هو فتح نوافذ دبلوماسية مغلقة وتعكس الصورة المدنية المتحضرة لبلدك، ولست مبتعثاً كإمام جامع ومرشد ديني لعمل ندوات للجالية اليمنية لتقوية الهوية الإيمانية التي اعتبروا أنها أُفسدت هنا في سورية. مهمة السفير أن يؤصِّلَ للهوية اليمنية بقيمها العروبية وحضارتها التاريخية والآفاق المستقبلية التي من شأنها أن تساعد اليمن في حل أزمته وتجاوز محنته ونقل معاناته لإيجاد وسيلة لتخفيفها وكسب تعاطف دولي وتغيير الصورة التي ارتسمت لدى العديد من الدول عبر توضيح ذلك للسفراء المعتمدين هنا وكسر حاجز العزلة المفروضة علينا.
في ما يخص الاتهام بالفساد يجب أن تتوفر المقومات التي تغري الشخص على الفساد، ولكن عندما تكون معدومة بماذا سيفسد وهو لا يمتلك النفقة التشغيلية؟ وحتى الراتب غير متوفر. هل تعلم أنه إلى يومنا هذا لم نستلم مرتباتنا لكامل الفترة التي عملنا فيها بالسفارة؟
فإذا كنت لم تستلم نفقات تشغيلية ولا تأمين صحياًطيلة الخمس سنوات، ولا رواتب دبلوماسيين ولا حتى رواتب المحليين، فما هي مصادر الفساد التي يمكن أن نُتهم بها؟
حدث لي انزلاق كبير بالعمود الفقري في العام ٢٠١٩، وأجريت عملية جراحية في بيروت كلفت ١٢ ألف دولار، ولم تساعدني حكومة صنعاء بدولار واحد، وبعتُ من أملاكي الخاصة.
أدرنا السفارة كسفارة لكل اليمنيين ولم نميز أي مواطن يمني عن الآخر، ولم نسأل مواطناً مع أي طرف هو، ومثلنا اليمن ولم ننقل الصراعات الداخلية إلى مهام السفارة مع المواطن اليمني فهي سفارة واحدة في سورية لكل اليمنيين، وهذا الأمر أغضب البعض، واتُّهمت بأنني أُيسِّر دخول ومعاملات عناصر بالشرعية. هناك جهل في الجوانب الدبلوماسية، لا يعرفون أن أي بعثة دبلوماسية عليها احترام سياسة بلد الابتعاث، ولا يمكن أن تفرض عليها سياستك على أراضيها. هذا أساس المشكلة مع صنعاء.
النقار: كلمة أخيرة يود الأستاذ نايف القانص توجيهها في نهاية هذا الحوار.
القانص: الحكم الذي يقتصر على مكون أو فرد هو حكم استبداد، وأي حكم لا يستند على مرجعية دستورية وقانون يضبط الحقوق والواجبات هو فوضى.
استحداث مناصب خارج ما حدده الدستور والقانون هو تدمير لمؤسسات الدولة وتكريس لمنظومة الفساد المالي والإداري، إذ لم يحدث على مستوى العالم أن يتم تعيين وزير يُفرَض عليه مشرف.
يجب تشكيل حكومة ظل تتابع وترصد التجاوزات، وعلى ضوء ذلك يتم محاسبة الفاسد.
القرارات المصيرية لا تتخذ بالعاطفة بل بدراسة استراتيجية تقيم الأبعاد والتبعات التي قد تسببها وإمكانيات مواجهتها،والقدرات الاقتصادية وكل الاحتياطات التي قد يتم اللجوء إليها أثناء المواجهات، وتأمين المخزون الغذائي.
خلاصة الحل السياسي هو الطريق المختصر للأمن والاستقرار في اليمن، بإعادة الحياة الديمقراطية عبر الاتفاق على شكل الدولة، وفصل الدين عن الدولة من خلال دستور يحفظ الحقوق والتنوع ويعيد للدين قيمته الروحيةويمنع المتاجرة به ويحافظ على النسيج الاجتماعي اليمني.