• الساعة الآن 09:50 AM
  • 25℃ صنعاء, اليمن
  • -18℃ صنعاء, اليمن

المقالح.. الشاعر الطفل الذي مازال يتجول في أزقة مدينته صنعاء

news-details

خاص | النقار

ثمة أزقة في #صنعاء لا تصل إليها حوافر خيول ولا إطارات موكب. تهتدي إليها الأقدام بلا بوصلة فتغرق في التفاصيل الآسرة هنا وهناك. روشان مفتوح على الشمس وهي تغرب أشعةً نافذةً إلى الداخل. كأن ذلك الروشان يختزل من الضوء ما يكفي لكي يعد مساءه الرمضاني بعيدا قدر الإمكان عن السياسة. وباب يعاني ضجيج الزمن وقد تجعد كما لو كان وجه تسعينيًّ، لكنه مايزال قادرا على تجاوز السأم وإرشادك إلى بغيتك دون هدى. كل زقاق يؤدي بك إلى زقاق، والأبواب وجوه تسعينية متجعدة ترشدك يمينا ويسارا في متاهة لا تنتهي.

هل تجعل صنعاء من المرء شاعرا؟! ربما فقط وهو يعبر أزقتها كطفل يحب المتاهات. أما أن يراها من الخارج ملفوفة بسور عتيق فقد يغره الصخب في الخارج فينظر إليها نظرة شزراء ولا يعنيه منها شيء.

صنف الشاعر الكبير عبد العزيز المقالح عددا من المدن العربية والأجنبية كعواصم للورد وللشعر وللقوة وللسياسة، وعندما جاء على ذكر صنعاء وقف كثيرا فلم يكن له إلا أن يقول: هي عاصمة الروح.

كان المقالح هو ذلك الطفل الذي يحب المتاهات في أزقة مدينته. كان يريد أن يظل ذلك الطفل التائه فلا يكبر فيكون قد عرف طريق الخروج، لكنه وقد انتهى من "كتاب صنعاء" وجد نفسه قد كبر بما يكفي ليتحدث عن تجربته بالقول: في كل صباحٍ خريفي يخرج الشاعر من نومه قبل أن يطلّ وجه الشمس من وراء “غيمان”، يرتدي دهشة الأطفال ويحشر نفسه في الأزقة الضيقة ليكتب تاريخ الحجارة وأحلامها حجارة من كل الألوان والأشكال، من كل الأزمنة والعصور. ذات صباح أنصت الشاعرُ بعينيه إلى صوتٍ طالعٍ من حجرٍ أخضر يقول: ليس البشر وحدهم من تتعدد فيهم الألوان والأجناس، الأحجار أيضا تتعدد ألوانها.

وعن دهشة الأطفال التي ارتداها ليحشر نفسه في الأزقة الضيقة يسرد حلمه قائلا:


 

ذات حلمٍ

هبطت على سلمٍ من أساطير

محفورةٍ في ضمير الزمان

رأيتُ بيوتا من الضوء

أعمدةً من نهارٍ بهيجٍ

وأسواق من فضةٍ

وشوارع من ذهبٍ

قيل لي: تلك صنعاءُ….

إنَّ صنعاء غير التي في دمي

لا يراها سوى الحلم نافرةً

ولها جسدان وشمسان

فاهبطْ على سلّمٍ من مرايا الحروف

وصفِّقْ إذا ما وصلتَ أقاصي المدينةْ


 

وهنا عندما رأى نفسه قد وصل أقاصي المدينة كان المقالح قد كبر بما فيه الكفاية ليعرف أن للمدينة أبواباً سبعة. عندها فقط كان قد غادر دهشة الأطفال قلم يصفق، بل ربط الأمر مباشرة بالفراديس التي لها أبواب سبعة هي الأخرى. وربما أنه لحظتها لم يعر بالاً لمسألة أن للجحيم هي أيضا أبواباً سبعة، فآثر أن يظل محتفظا بما تخلّقَ من علاقة حميمية بين طفل ومدينته لا يريد لها أن تكبر وتتحول إلى علاقة بين شاعر ومحبوبة. حتى لو رأيناه يفتتح كتابه عن صنعاء هكذا:


 

كانت امرأة

هبطتْ من ثياب الندى

ثم صارت قصيدة

هي عاصمةُ الروح

أبوابها سبعةٌ

– والفراديس أبوابها سبعةٌ

كلُّ بابٍ يحقق أمنيةً للغريب

ومن أيّ بابٍ دخلتَ

سلامٌ عليك

شارك الخبر: