• الساعة الآن 06:58 AM
  • 13℃ صنعاء, اليمن
  • -18℃ صنعاء, اليمن

"وَجَعَلْنَا الليل لِبَاسًا" كيف يحمي الظلام سكان صنعاء من الضرائب

news-details

يشكو أبناء حي المواطن محمد الخاوي، في منطقة "حدة"جنوب غرب العاصمة صنعاء، من أن بنايتين يتم العمل عليهما في نفس الحي لكن في ساعات متأخرة من الليل، بدءاً من الساعة الثامنة مساء حتى الفجر يومياً، دون مراعاة للسكان الذين يعبرون عن انزعاجهم من إقلاق السكينة العامة والأصوات الصادرة عن أعمال التشييدوالبناء والحفر طوال الليل.

 ويقول الخاوي لـ"النقار" إن مالك البنايتين يتعمد العمل على إكمال بنايتيه ليلاً ليتهرب من الضرائب والإتاوات غير القانونية التي تفرضها سلطة أنصار الله على مالكي المنشآت العقارية حديثاً.

 وبسؤاله عما إذا كان أهل الحي رفعوا تظلماً إلى "عاقل الحي"، اتهم الخاوي "العاقل" بالتواطؤ مع مالك البنايتين واستلام أموال مقابل السكوت عن استفزاز السكان وإقلاق سكينتهم، مضيفاً: "صاحب العمارة يعمل على مبدأ أن الأموال التي سيدفعها لعاقل الحارة تبقى أقل بكثير من الأموال التي سيدفعها للسلطة".

 

مداهمات وجبايات مفروضة

 وفقاً لمصادر "النقار" تقوم جماعة أنصار الله بمداهمة العقارات قيد الإنشاء من بنايات ومنازل ودكاكين، وتفرض عبر أفراد محسوبين عليها مبلغاً لا يقل عن مليون ريال مقابل الطابق الواحد للعمارة في بعض الحالات.

 وتقول المصادر إن الجبايات تُفرض سواء كان البناء لا يزالفي مرحلة التأسيس أو كان هيكلاً عظمياً أو يوشك على الانتهاء، ويتم الاستحواذ على الجبايات من مالكي البنايات والمنشآت التي يتم تشييدها، بشكل متكرر، في عملية ابتزاز متواصلة، وتشترك فيها جهات رسمية كمصلحة الضرائب ومكتب الأشغال ومكاتب البلديات وصندوق النظافة والتحسين وغيرها، إضافة إلى أفراد مسلحين محسوبين على الجماعة لا يثبت انتماؤهم إلى أي جهة رسمية.

 وتستهدف الجبايات كل من يقوم بأعمال بناء أو ترميم أو إصلاحات، ولا يتم منح المواطنين حرية البناء إلا بعد دفع المبالغ المالية، ويؤدي الامتناع عن الدفع إلى وقف أعمال البناء إذا لم يكن احتجاز مالك البناء، وإلزام العمال بمغادرة الموقع بحسب مصادر "النقار".

 ويأتي ذلك استمراراً لمسلسل الجبايات اللامشروعة التي تفرضها سلطة أنصار الله في صنعاء وباقي المحافظات على مختلف القطاعات والأسواق المحلية، كوسيلة خارجة عن القانون للتكسب والإثراء الذي تتضخم به خزائن قيادات الجماعة.

 وبسؤال القائم على البناء المذكور أعلاه بمنطقة حدة،والواقع في خمسة طوابق لكل بناية بنظام شقق الإيجار، برَّر مالك العقار في حديث لـ"النقار" بأنه "مضطر للبناء ليلاً" هرباً من الإتاوات التي يدفعها لأفراد مسلحين يداهمون البناء بشكل متكرر، مؤكداً أنه تكبد من ذلك خسائر تصل إلى أكثر من 35 مليون ريال خلال ستة أشهر، ورفض التعليق على انزعاج السكان مكتفياً بقوله: "قل لهم يتحملوا لما نكمل".

 مالك بناية آخر التقت "النقار" بنجله في منطقة تابعة لمديرية شعوب شمال شرق صنعاء، قال إنهم أوقفواأعمال البناء نهاراً في العقار المبني من الحجر، والمؤلف منشقق واسعة ومحال تجارية، بسبب الأموال التي استحوذ عليها مسلحون تابعون للجماعة.

 ويؤكد نجل مالك العقار التاجر الذي يستتر بالليل، أن البناء تم بموجب تراخيص وأوراق ملكية رسمية وتحت إشراف مكتب هندسي معتمد، ويضيف: "لكن من يداهمون البناء مشرفون حوثيون يتحججون بأن البناء مخالفللحصول على الأموال، وعندما نتعامل بالتراخيص والأوراق الثبوتية يقولون إن ما في الورق شيء وما في الواقع شيء آخر، وإن البناء والمساحة مخالفة، وفرضوا علينا دفع مليون ريال على كل دور، وبعد مشاكل وتوقف العمل لفترة لجأنا لدفع نصف مليون ريال على كل دور، لتجنب العرقلة ولمواصلة العمل، وتكرر ذلك بمجيء متهبّشين ومحسوبين على الضرائب والبلدية وفُرض علينا دفع مبالغ تلو المبالغ وتُقدر بمئات الآلاف".

 ويردف بقوله: "في النهاية قررنا إيقاف العمل في النهار، والعمل بشكل متقطع في الليل خلال أيام محددة، إلى حين الخروج بحل رسمي مع هؤلاء".

 وتمضي أعمال البناء ليلاً في صنعاء رغم إصدار وزارة الداخلية التابعة للجماعة، قراراً في العام 2019 بضبط من يقوم في ساعات الليل بأعمال البناء أو تسوير الأراضي، وكان مبرر ذاك القرار هو منع نهب أراضي الدولة والحد من مشاكل السطو على الأراضي الخاصة.

 لكن وفي مفارقة ساخرة سبق واستغلت جماعة أنصار الله نفسها ساعات الليل المتأخرة وقامت عبر عناصر مسلحةبوضع يدها على مساحات عامة وبناء أسوار عليها في مدينة سعوان بمديرية شعوب، حيث قام المسلحون في العام قبل الماضي بتسوير الأراضي الفارغة وسط "مدينة الحمدي" السكنية.

 وفي ذاك الوقت من العام 2022 سخر سكان المنطقة من عملية السطو الليلية على المال العام بواسطة العديد من الأطقم وعشرات المسلحين مع جلب العشرات من عمال البناء، في حين يتهم السكان الجماعة بمحاولة تطفيش سكان مدينة الحمدي السكنية من منازلهم والاستحواذ عليها لصالح أفراد تابعين للجماعة.

 حالة الهوس التي سيطرت على أتباع الجماعة بفرض جباية على أي شخص يقوم بالبناء، وصلت أيضاً إلى حد ابتزاز أولئك الذين لا يقومون ببناء أي حجر على الإطلاق.

 يقول المواطن توفيق عبدالله من حيّه بمنطقة بيت بوس، إنه يملك بيتاً من طابق واحد، وخلال فترة هطول الأمطار في العام الماضي، وتحديداً في أكتوبر، اضطر لنشر كميات من التراب وغطاها ببعض الحجارة لمنع تسرب الأمطار من السطح إلى داخل البيت.

 ويؤكد توفيق لـ"النقار": "كان هناك أشخاص من الحارة يساعدونني في نقل التراب والحجارة إلى السطح، وما إن قمت بهذا الحل حتى باغتتنا دورية مسلحة لمساءلتي، وأكدت لهم أنني لا أبني طابقاً علوياً وشرحت السبب، وحتى أنني لم أقم بخلط ذرة إسمنت واحدة مع التراب".

 ويضيف: "قالوا لي بالحرف إن للبناء ضريبة، ولم يتركوني إلا بعد أن تأكدوا أن لا نية لي في البناء، وقالوا إنهم سيعاودون المجيء للتأكد من ذلك، وبالفعل جاؤوا مرة أخرى للتأكد، ولم يكن ينقصني إلا أن أدفع قيمة التراب لهم".

 

الجبايات تضرب سوق العقارات

 أدت الضرائب وتصاحبها الجبايات غير القانونية المستمرة إلى ضرب سوق العقارات بصنعاء وشل أعمال المقاولات والتشييد والبناء التي دخلت في حالة شبه ركود، إذ تسببت حملات الجبايات في توقف الكثير من مشاريع البناء، وكذلك نزوح رؤوس أموال من هذه المناطق إلى مناطق خارج سيطرة جماعة أنصار الله أو خارج البلاد.

 ويبدو أن أسواق المقاولات والعقارات تواجه حملات جبايةقادمة من شأنها أن تزيد الخناق تضييقاً والتجار دفعاً للمال.

 ففي تصريحات أخيرة قالت مصلحة الضرائب في شهر فبراير الجاري، إنها تقدم "تسهيلات ضريبية" للمشاريع الاستثمارية في مجال البناء والإنشاءات، وشددت بأن من أولوياتها في المرحلة الحالية تقديم التسهيلات للمستثمرين والقطاع الخاص بصورة عامة، في تلويح إلى ارتفاع وتيرة الدفع خلال الفترة المقبلة سوف "تشمل القطاعات الاستثمارية بما في ذلك المعدات المستوردة من الخارج".

 فمصلحة الضرائب في حديثها عن "التسهيلات الضريبية" لم توضح نسب الضريبة على المبالغ المستثمر بها أو نوعية المعدات الإنشائية، أو الآلية القانونية التي يتم التعامل بها مع المستثمرين وتجار القطاع الخاص.

 وعلى وسائل التواصل الاجتماعي يُتهم رئيس مصلحة الضرائب عبدالجبار الجرموزي بالإبقاء على موظفين ونافذين فاسدين في المصلحة وعدم تغييرهم رغم اتهامهمباستغلال وظائفهم في الضرائب للتربح.

 

منازل تهدم على رؤوس أصحابها

 تمنع جماعة أنصار الله المواطنين من بناء منازلهم أو إضافة طوابق إلى المنازل حتى يتم دفع ما بات يعرف شعبياً بـ"فيتامين راء" في إشارة للرشوة، أو "فيتامين واو" في إشارة للواسطة، وفي نفس الوقت تقوم الجماعة بهدمعشرات المنازل والاستحواذ على أراضٍ واسعة لمواطنين تنعدم لديها القدرة المالية والواسطة، كتلك المنازل والأراضي التي بمديرية همدان شمال غرب محافظة صنعاء.

 وكانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات قالت العام الماضي إن الجماعة هدمت قرابة 170 منزلاً وقامت بالسطو على أراض مملوكة للسكان في "همدان"، حيث تم جرف عشرات الأراضي والمساحات الزراعية والسطو عليها بالقوة، وتحت إشراف مكتب الأشغال بالمديرية.

 واعتبرت الشبكة الحقوقية أن ذلك يأتي ضمن مخططات الجماعة الرامية لتعزيز سيطرتها وأملاكها، في حين تزعمالجماعة للسيطرة على المنازل والأراضي بإزالة الاستحداثات والمخالفات.

 كما سبق وهدمت الجماعة في العام نفسه منازل مواطنين في منطقة سعوان، وقامت بالاعتداء على الأسر وإخراجهم من المنازل بالقوة تحت مبرر "العشوائية" رغم امتلاك بصائر ملكية موثقة، بينما تمرر الجماعة في المقابل أعمالبناء عشوائية في العديد من المناطق لجني فوائد مالية من القائمين على البناء العشوائي طبقاً لما تؤكده المصادر لـ"النقار".

 وحيث يحمل انهيار الأوضاع الاقتصادية في اليمن أسبابه وتناقضاته معاً وعلى يد الجماعة نفسها، لم يعد من غرابة في الهدم ومنع البناء وحصره على مقربي الجماعة ونافذيها الذين يملكون المال والسلطة لتشييد البنايات المنتشرة في صنعاء على مرأى الجميع نهاراً، وليلاً.

 

 

شارك الخبر: