• الساعة الآن 12:50 PM
  • 28℃ صنعاء, اليمن
  • -18℃ صنعاء, اليمن

الجرائم تعاكس هوى الجماعة.. هل حقق أنصار الله الأمن بالفعل؟

news-details

خاص – النقار

لم تنفلت الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في مناطق سلطة أنصار الله إلى أقصى مستوياتها الكارثية فحسب، بل وصاحبها انفلات أمني يتزايد بمرور الأيام وتضلع فيه الجماعة وموالوها، رغم ما تزعمه الجماعة من إحكام القبضة الأمنية في مناطقها وإرساء الأمن واحتواء الجرائم والسلوكيات الخارجة عن القانون.

الداخلية لم ترد على تأكيدات أبناء حراز وناشطي التواصل الاجتماعي حول أن الجناة الفارين يتستر عليهم قائد اللواء الثالث فتح "القاسم المراني"، واكتفت بالإشارة إلى أن "القضية جنائية بحتة وما يروج له العدوان ليس سوى تزييف للحقائق ومحاولة للنيل من حال الأمن والاستقرار التي تنعم بها العاصمة صنعاء والمحافظات الحرة".

لكن من يتحدث في المجمل هي السلطة التي يُسلَّط عليها الضوء كركن أساسي من أركان الجريمة الكاملة في هذه المناطق، وهي السلطة نفسها التي تكرر الإشارة إلى الانفلات الأمني الحاصل في مناطق سلطة عدن، على سبيل "المكايدة الصبيانية" إن جاز التعبير.

ولعل سلطة أنصار الله بانشغالها بهجماتها على السفن في البحر الأحمر، تغض النظر عن أحوال المواطنين الذين بطبيعة الحال تعتبرهم "رعية" لها، فالمواطنون يطالبونها على منصات التواصل الاجتماعي -المتنفس الوحيد لهم لإخراج القضايا إلى الرأي العام- بوضع حلول للأزمات المعيشية الكارثية والعمل جدياً كدولة لمحاسبة مسؤوليها الفاسدين في كافة مفاصل الدولة، وضبط الانفلات الأمني وجرائم المحسوبين على الجماعة وتقديمهم للعدالة، لكن الجماعة تُعرض عن هذه المطالبات عبر تابعيها الرسميين وغير الرسميين بتبرير أن الجماعة منشغلة حالياً بأحداث البحر الأحمر و"مواجهة الأمريكي والبريطاني".

جريمة مقتل الشاب حاشد محمد النقيب، أحد أبناء منطقة حراز جنوب غربي العاصمة صنعاء، هزت الرأي العام اليمني بعد نحو ثلاثة أسابيع من وقوعها، وقربت العدسة إلى جزء من حقائق الواقع في مناطق سيطرة أنصار الله، إذ تتنفذ الجماعة ضد كل من يخالفها الرأي أو الموقف، وتترصد له إلى حد وصول ذلك مرحلة الثأر من حياته وإنهائها.

وفي منطقة بني الحارث بصنعاء قُتل الشاب حاشد، العامل على محل ألعاب جيم، على أيدي مسلحين قدِموا إلى حي الشاب على متن طقم شرطة، وقاموا بتصفيته بوابل كبير من الطلقات على جسده ووجهه على مرأى أسرته وأهالي الحي، وذاك على خلفية شجار داخل محل الجيم بين المجني عليه واثنين من آل القاسمي هما ولدا "عبدالله منصور القاسمي" نائب مدير أمن الجماعة في محافظة الجوف، وأصيب أحد الولدين بجرح بخنجر النقيب، أكد أحد مشايخ حراز أنه جرح صغير و"شُخْطي".

تم اغتيال الشاب النقيب بطريقة بشعة كما تُظهر الصور المتداولة، وذاك بعد أن هدد آل القاسمي بتصفيته، رافضين التحكيم القبلي والوسطاء من جانب آل النقيب الذين حاولوا لاحقاً اللجوء إلى "القانون" وتقديم بلاغ في القضية، معتبرين أن آل القاسمي خرجوا عن الأسلاف والأعراف ولم يأبهوا بها.

تنصَّل قسم الشرطة التابع لداخلية صنعاء عن دوره ومسؤوليته وتجاهل القضية المقدَّم حولها البلاغ إثر تهديد آل القاسمي بقتل الشاب، ثم في اليوم التالي فوجئت "بني الحارث" بقدوم طقم شرطة المسلحين، وعددهم خمسة، يتبعون آل القاسمي، لقتل الشاب حاشد أمام والدته، وبعدد طلقات تقول المصادر إنها تصل إلى مائة وخمسين طلقة، فيما تقول أخرى إنها تتجاوز 66 طلقة.

أحد أعيان حراز، وهو الشيخ أحمد شائع، قال في مقطع مصور خلال احتشاد القبائل في ميدان السبعين، إن القيادي الحوثي عبدالله منصور القاسمي قصد منزل أسرة حاشد لتصفيته أمام والدته وإخوانه.

وأكد شائع أن السلطات الأمنية التابعة لأنصار الله لم تحرك ساكناً، وشدد: "ضحينا من أجل الدولة بالآلاف واليوم تتخلى عنا، لكننا لن نتخلى عن حقنا وقضيتنا ومظلوميتنا".

 

بحثاً عن مخرج: "أنصار الله" تحاول الدفاع عن أمنها

بعد خروج القضية إلى العلن وتصاعد حالة السخط الشعبي ضد "أنصار الله"، أصدرت وزارة الداخلية بصنعاء بياناً قالت فيه إنها تتابع الجناة المتورطين في قتل الشاب حاشد النقيب، وإن الشرطة والبحث الجنائي لا يزالون يتتبعون المتورطين في القضية، مضيفة أن إجراءات البحث والمتابعة والتحري مستمرة بدون توقف حتى يتم إلقاء القبض على المتهمين الفارين وتسليمهم للعدالة لينالوا جزاءهم الرادع.

البيان صدر متأخراً بعد قرابة ثلاثة أسابيع من تجاهل الجهات الأمنية لمطالب أسرة الشاب القتيل بعد مقتله، مما ذهب بالقضية إلى ناحية تواطؤ الجهات الأمنية في القضية والتستر على الجناة، ودفع القبائل إلى الكشف عن تفاصيلها والخروج يوم الأربعاء (7 فبراير) في اعتصام احتجاجي أمهل السلطة أسبوعاً لضبط الجناة، بميدان السبعين الذي تحشد فيه الجماعة كل يوم جمعة وقفات واسعة لتأييد تحركات أنصار الله في البحر الأحمر.

الداخلية لم ترد على تأكيدات أبناء حراز وناشطي التواصل الاجتماعي حول أن الجناة الفارين يتستر عليهم قائد اللواء الثالث فتح "القاسم المراني"، واكتفت بالإشارة إلى أن "القضية جنائية بحتة وما يروج له العدوان ليس سوى تزييف للحقائق ومحاولة للنيل من حال الأمن والاستقرار التي تنعم بها العاصمة صنعاء والمحافظات الحرة".

الخبير القانوني المحامي بشير عبدالله يعلق لـ"النقار" بقوله إنه لولا تحرك أسرة القتيل وقبائل حراز للكشف عن الجريمة وتفاصيلها لعمل أنصار الله على تغطيتها ووأدها بمختلف الطرق لئلا تأخذ القضية حجمها الطبيعي الذي يضع سلطة الجماعة في موقف حرج.

ويضيف عبدالله أن المزاعم الرسمية للسلطة حول "استتباب الأمن في العاصمة وباقي المحافظات مجرد هروب من الحقيقة، فنحن نواجه في السلك القضائي عدداً كبيراً من الجرائم الحاصلة بشكل شبه يومي، وتتراوح بين حوادث قتل عمد واشتباكات وجرائم سطو وسرقات ومضايقات عمدية وعمليات اختطاف".

ويؤكد في معرض حديثه أن "السلطة تتباهى في العادة بالقبض الفوري على جناة في قضايا تكاد تكون أعقد من قضية قتل حاشد النقيب، لكن في هذه القضية تقول السلطة إنها لا تزال تتتبع الجناة من أجل القبض عليهم، فأين الإمكانيات التي لدى الأمن، إلا إذا كان القتلة في محل تستر فعلاً فهذا أمر يدين السلطة خاصة أن القتلة محسوبون على أنصار الله".

كما يستدرك الخبير القانوني أن التهمة وعقوبة القصاص تنطبق على جميع المسلحين الذين نفذوا عملية الاغتيال دون استثناء "فهي قضية لها أدلتها الواضحة وشهودها" على حد قوله، مشيراً إلى أهمية "فتح تحقيق مع الأطراف من بيت القاسمي التي تفاوضت معها أسرة النقيب، وذلك لاتخاذ إجراءات ضد أي متورط من بيت القاسمي بالإيعاز لقتل الولد"، ولم يستبعد عبدالله أن يلجأ نافذو أنصار الله إلى التغطية على القتلة بشتى الوسائل، وهو ما يتعارض كلياً مع القانون كما قد يفتح صراعاً مع آل النقيب وقبائل حراز التي لن تتنازل عن حقها.

في نفس السياق وبينما تؤكد الجماعة "حالة الأمن والاستقرار" في مناطقها، تزداد محصلات الجرائم في المحافظات الواقعة تحت سيطرتها ويسجل كثير منها ضد مجهول، واستناداً إلى أرقام السلطة نفسها فقد حدثت في شهر أكتوبر الماضي فقط 776 جريمة في صنعاء وحدها، منها 184 سجلت ضد مجهول، فضلاً عن رسائل التهديد بالقتل التي تصل المواطنين بمن فيهم المعارضون علناً للجماعة.

كذلك تشهد محافظات أخرى مثل عمران وذمار وإب وحجة وتعز (الحوبان والمناطق المسيطر عليها) انتشاراً لمسلحين تابعين للجماعة في مناطق مختلفة وواسعة من المحافظات، يُشار إلى أن من بينها مؤخراً، في ديسمبر الماضي، تصفية القيادي الحوثي ومدير الأمن والمخابرات بمدينة الراهدة بتعز "أبو رضوان المطري" وأحد مرافقيه، وتعزو تقارير أسباب ذلك إلى صراعات بين أجنحة الجماعة على العوائد المالية.

وتحت عناوين الأمن يتم استخدام جهاز الأمن والمخابرات المدمج بين جهازي الأمن القومي والأمن السياسي منذ 2019، في ملاحقة المواطنين ورصدهم وفرزهم واستهداف الكثيرين بتلفيق تهم مرتبطة بالخروج عن إطار الجماعة والتعامل مع جهات خارجية، وهو ما أصبح بمثابة تهم جاهزة تنتظر كل من لا يلائم مزاج الجماعة.

شارك الخبر: