خاص | النقار
باعتبارهم حركة دينية تسعى للسلطة والحكم، يحاول أنصار الله أن يظلوا في نظر أنفسهم والآخرين حركة مقاومة ضمن مشروع كبير ومحور يجمعهم مع حركات أخرى كحزب الله في لبنان وحركة حماس في فلسطين.
وباعتبار أنصار الله وحماس حركتي مقاومة وفي الوقت نفسه سلطتين حاكمتين، هذه في صنعاء وتلك في غزة، فإن أوجه شبه بينهما قد تلفت المهتم إلى حد كبير. فكلتاهما قادمة من عباءة دينية وصعدت إلى الحكم بهذه الطريقة أو تلك، وكلتاهما تسببت في انقسام الداخل السياسي بصرف النظر عن الأسباب والدوافع.
ومع ذلك، ثمة مفارقات بين الحركتين في تعاطي كل منهما مع الداخل قد تجعلهما مختلفتين تماما، دون الالتفات بطبيعة الحال إلى مسألة لصالح أيهما ستؤول المقارنة. فكل حركة دينية تسعى للحكم، هي في النهاية استبداد مبطن.
من تلك المفارقات على سبيل المثال أن خلاف حماس مع السلطة الفلسطينية وارتهان الأخيرة إلى كل ما يمكن أن يمثل ضعفا وتمييعا للقضية الفلسطينية لم نجد في خطاب حماس الرسمي تخوينا أو اتهاما لسلطة رام الله بالعمالة لإسرائيل أو بخروجها عن كيان اسمه منظمة التحرير الفلسطينية، بحيث هناك على الأقل اعتراف من قبل حماس بتلك المنظمة ككيان جامع للفلسطينيين تنضوي تحتها كل حركات المقاومة الفلسطينية بما فيها حماس.
بينما حركة أنصار الله في صنعاء لا تنظر في كل خطابها السياسي والإعلامي إلى ما تم الاصطلاح على تسميته الشرعية إلا على أنها سلطة عميلة، ولا يمكن أن تصف عبدربه أو العليمي إلا بالمرتزق العميل الخائن.
كسلطة حاكمة على قطاع اسمه غزة، وباعتبارها جماعة إخوانية خارجة من عباءة سيد قطب الذي كفر كل شيء عدا جماعته، لم يحدث أن رأينا خطاب كراهية يحرض على الغزاويين المسيحيين أو على كنيستهم العتيقة التي تفاجأ العالم بقصفها من قبل آلة القتل الصهيونية، ليتساءل المرء لو كان هناك مسيحيون في اليمن كيف كانت سلطة أنصار الله ستتعامل معهم وهي التي لم تطق وجود صلاة تراويح في مساجد سيطرتها لكونها بحسبها بدعة؟! لا شك أنهم كانوا الآن قد هجروا قسرا كما فُعل بيهود آل سالم، ولكانت اللعنة قد شملتهم هم أيضا.
في غزة ستجد "الإخواني" يحيى السنوار يشيد بالزعيم الراحل ياسر عرفات وبحركة فتح ويعتبرهما أيقونة النضال الفلسطيني، على الرغم من كل الخلاف الأيديولوجي بين حركتي فتح وحماس، بينما لن تجد المشاط يوما من الأيام يشيد بزعيم يمني صنع الوحدة مثلا أو قاد نضالا ثوريا ضد الحكم الإمامي.
من المفارقات أيضا وجود مكاتب ومراسلين لقنوات كالعربية والحدث وغيرهما في غزة، بالرغم من كون تلك القنوات تكاد تتبنى وجهة نظر الكيان الصهيوني وخطابه الإعلامي والسياسي، ومع ذلك مازالت تلك المكاتب والقنوات تمارس عملها دون أي تضييق على مراسليها ودون أي إغلاق أو طرد أو تخوين، أما في صنعاء فلا تسلم منهم حتى الصحف والقنوات والإذاعات المحسوبة على سلطة الأنصار. فمجرد صوت يعارض أدنى تصرف لهذا القيادي أو ذاك أو ينتقد أداء مؤسسة من المؤسسات من باب النقد الذاتي يتم وضع علامة حمراء على ذلك الصوت والتضييق عليه وخنقه وسجنه. ناهيك عن طرد كل القنوات التي تعارضهم وإغلاق مكاتبها أو إسكاتها إلى حد كبير.
في غزة لن تجد حماس تنكل بمن ينتقد فسادها أو لكونها لم تقم بواجباتها كسلطة تجاه من تحكمهم سواء في دفع المرتبات أو تقديم الخدمات التعليمية والصحية للمواطن، ولن ترمي بكل ذاك على الكيان الصهيوني بأنه هو المسؤول عن قطع المرتبات وعن الحصار وعن التجويع، مثلما تفعل سلطة أنصار الله وقد تخلت عن كل مسؤولياتها وتحولت إلى سلطة جبايات وسلب وإقصاء وإلغاء.
يجمع الكثيرون على أن حماس الداخل تخلت عن إخوانيتها المقيتة التي كانت متمثلة في خالد مشعل وآخرين وانحازت بالمطلق إلى قضية شعبها، فيما أنصار الله مازالوا يراوحون مكانهم تحت عباءة الهادي يحيى بن الحسين الذي كان ينظر إلى اليمن باعتبارها غنيمة حرب لا باعتبارها وطنا للجميع.