• الساعة الآن 02:21 AM
  • 20℃ صنعاء, اليمن
  • -18℃ صنعاء, اليمن

مؤسسة القضاء في صنعاء.. مطرقة الدولة ومقبرة الحقوق

news-details

خاص - النقار

 

لم تجد أسرة علياء منصور من ينصفها منذ خمس سنوات قضاها ابن الأسرة "أحمد" في السجن بصنعاء حتى اليوم دون أن يتم البت في قضيته أو أن تأخذ القضية مجراها القانوني.

تقول علياء لـ"النقار" إن شقيقها المسجون كان متواجدًا في الحارة ليلة وقوع حادثة قتل بإحدى مناطق حي شميلة، وبعد وقوع الجريمة التي لاذ مرتكبها بالفرار، قامت قوات الأمن باعتقال كل من تواجد في الحارة ليلتها كمتهمين بمن فيهم شقيقها.

وتضيف: "منذ خمس سنوات وهو مسجون هو وعدد من الأشخاص الذين كانوا في الحارة، وقد خرج واحد منهم فقط بعد ثلاثة أشهر من حبسه ولم نعلم على أي أساس تم الإفراج عنه هو والإبقاء على باقي المساجين، وقد تابعنا القضية منذ بدايتها لمدة ثلاث سنوات تقريبًا وبعدها أُجريت هيكلة إدارية للمحكمة، وبعد الهيكلة عدنا لـ"المشارعة" من الصفر مع القاضي الجديد الذي تولى القضية، وإلى اليوم منذ سنتين ونحن نشارع مع هذا القاضي".

مشاهد كثيرة تترجم واقعًا مأساويًا في صنعاء، والكثير من القضايا يتم المماطلة فيها ليضيع من أعمار أصحابها سنوات وعشرات السنوات دون حلحلتها والبت فيها.

"عبدالكريم معياد" يصف قضية أراضي أسرة "بيت معياد" بأنها "قضية القرن" التي يعرفها الشعب، إذ لا تزال منظورة لدى القضاء منذ 20 سنة.

 يقول معياد إنه يتم عقد جلسة في قضية بيت معياد أسبوعيًا، وأن القضية شهدت تغييرًا لقضاة عديدين: "أعتقد أن كثيرًا من قضاة اليمن الأحياء والمتوفين تولوا قضيتنا، فحتى اليوم يتسلم القضية قاضٍ ويخلفه قاض آخر ثم قاضٍ غيره وهكذا، دون إرجاع الحق لأصحابه".

وأكملت الحرب مسلسل الفساد في أجهزة القضاء فالحرب فاقمت من سواد الصورة القضائية وجعلت العدل شيئًا من الماضي بالنسبة لليمنيين العالقة قضاياهم وهمومهم في أروقة المحاكم والنيابات، حيث يتجسد هناك شراء الذمم والرشاوى وإزهاق العدل وتضييع الحقوق، وحيث لا قضاة يلتفتون إلى مآسي المواطنين إلا من رحم ربي، وفي حال توافرهم فإما أن يتم إسكاتهم "من فوق" أو أن تتم تصفيته.

ويتفق مع هذا المحامي بشير عبدالله، الذي تحدث لـ"النقار" عن "تعيينات قضاة ورؤساء محاكم وهيكلة في أروقة المحاكم وفقًا لاعتبارات الموالاة لأنصار الله من عدمها، وبما يجعل إملاءات الجماعة نافذةً على هؤلاء، ناهيك عن إصدار أوامر قضائية ساهمت في تسهيل هيمنة الجماعة".

يشير المحامي بشير إلى وجود قضايا عالقة "بعضها يكون فيها الحق واضحًا وضوح الشمس، مثل قضية أسرة تمتلك أرضًا موثَّقة في إحدى المحافظة القريبة من صنعاء، وفي هذه الأرض بنى رجل نافذ دون وجه حق أو إسناد قانوني، وقضية هذه الأسرة لدى النائب العام لكن يتم المماطلة وإرهاق الأسرة ذهابًا وعودة، والشخص الذي يبني على الأرض كثير السفر والمشاغل من محافظة إلى محافظة، ولم تقم النيابة بإلزامه على الحضور أو إحضار أحد من وكلائه".

ويرى بشير أن القضاء بحاجة إلى غربلة مؤسسية بما يحقق فض النزاعات وإرجاع الحقوق لأصحابها، مؤكدًا أن "الفساد متجذر وهناك قضاة فاسدون منحتهم السلطة امتيازات لا حصر لها"، ويواصل: "عندما يتم إعداد تهم جاهزة للناس فهذا فساد وظلم منقطع النظير، وعندما يتم استخدام القضاء من قبل السلطة السياسية ضد خصومها فالقضاء يصبح قضاء السلطة لا قضاء الناس، ولا مجال للحديث عن استقلالية القضاء في ظل سلطة تتحكم بالمجلس الأعلى للقضاء والمحكمة العليا وكافة المرافق القضائية حتى في آليات الالتحاق بالمعهد العالي للقضاء".

 

عبث من قلب المحاكم

مع تحويل القضاء إلى وسيلة لتمرير سياسات ومصالح خاصة بسلطة أنصار الله، تجري حملات الاعتقالات على قدم وساق لأسباب مرتبطة بمعارضة الجماعة والوقوف في وجهها، كما حدث مؤخرًا مع القاضي المعارض "عبدالوهاب قطران" الذي كان اعتقاله حديث الساعة على خلفية تلفيق تهمة حيازة خمور واقتحام منزله واعتقاله أمام أبنائه.

ويحدث إصدار أحكام بالإعدامات الموائمة لسياسات الجماعة ضد خصومها، مثل ذاك الصادر بحق الناشطة فاطمة العرولي في ديسمبر الماضي بتهمة التخابر مع الإمارات، بعد 15 شهرًا من الاعتقال، وهو ما اعتبرته منظمات حقوقية حكمًا مخالفًا لأبسط أساسيات العدالة وموظفًا توظيفًا سياسيًا كون الناشطة معارضة للجماعة.

وتقول منظمة العفو الدولية إن أنصار الله تستخدم النظام القضائي لقمع حرية التعبير وتكوين الجمعيات أو الانضمام إليها، وتصدر أحكامًا قاسية تشمل عقوبة الإعدام عقب محاكمات بالغة الجور، وتنفذ الجماعة عمليات اعتقال للمدافعين من منازلهم أو عند نقاط التفتيش أو في أماكن العمل أو الأماكن العامة بدون مذكرات اعتقال، ويوضع المعتقلون بمعزل عن العالم الخارجي، ويُحتجزون لأشهر دون توجيه تهمة أو محاكمة وبدون وسيلة للطعن في قرار احتجازهم مددًا تصل إلى سنوات.

ولا تأبه الجماعة بنص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي تُعد اليمن طرفًا فيه، في المادة (9) الخاصة بأحقية أي شخص محتجز بتهمة جزائية في أن يحاكَم خلال مهلة معقولة أو أن يفرج عنه، ولا يجوز أن يكون احتجاز الأشخاص الذين ينتظرون المحاكمة هو القاعدة العامة.

وحال المحاكمة يمكن أن يضرب القاضي بمبدأ "العدل أساس الملك" عرض الحائط ويقوم بترهيب المتهم وتهديده بزيادة سنوات إضافية إلى الحكم المنطوق، كما حدث مع قاضي محاكمة عارضة الأزياء المعتقلة "انتصار الحمادي" التي حُكم عليها بخمس سنوات بتهمة تعاطي المخدرات وممارسة الدعارة، وعندما قالت بعد النطق بالحكم: "شكرًا يا قاضي"، غضب القاضي وهددها بعقوبة إضافية، ثم ردَّت عليه: "أنتم ظلمة"، ليهددها بمضاعفة الحكم وزيادة خمس سنوات أخرى "من عنده".

وللقاضي أن يخرج عن نص العدل والقانون فيُدلي بـ"فلسفة" ضد المتهم كما حدث أخيرًا مع الصحفي مجلي الصمدي مالك الإذاعة المصادَرة "صوت اليمن"، عندما قال له القاضي عبدالكريم المنصور: "سير اتزيرع في البلاد"، بمعنى أنه ليس من حق الصمدي أن يكون صحفيًا ومالكًا لإذاعة، وفقًا لمحاميه "عبدالمجيد صبرة" الذي قال إن المنصور حكم بقبول استئناف وزارة إعلام ضيف الله الشامي وإلغاء حكم سابق كان قد صدر لصالح الصمدي.

يحدث أيضًا التستر على قضاة متهمين بالفساد، على غرار رئيس نيابة استئناف جنوب الأمانة القاضي "أحمد القيز"، ورئيس محكمة جنوب غرب الأمانة القاضي "هاشم الهادي" وغيرهما ممن برزت أسماؤهم في الآونة الأخيرة كمتورطين في ملفات فساد وتزوير كشف عنها الناشط والشاعر الموالي للجماعة "محمد الجرموزي"، والذي يقبع الآن في السجن بتهمة "الإساءة للقضاء" ومصارعته "القيز" والمنظومة العدلية التي يرأسها القيادي "محمد علي الحوثي".  

في المقابل، من الممكن أن يُحاكَم القاضي نفسه إذا خالف جماعة أنصار الله، مثلما حدث مع القاضية في المحكمة التجارية "أمة الرحمن المقحفي" التي أحيلت للتحقيق لأنها رفضت طلبًا قدمته "أمة الصبور المتوكل" شقيقة رئيس المجلس الأعلى للقضاء القيادي القاضي "أحمد المتوكل".

رفضت "المقحفي" طلب الحكم بإخراج أحد المستثمرين من أرضٍ استأجرها من الشاكية، واعتبرت الشاكية أن الحكم بالرفض متأثر بالموقف السلبي للقاضية "المقحفي" من شقيقها القاضي "المتوكل" بسبب تجاهُل مجلسه الأعلى الاعتداءات على القضاة والتشهير بهم وقطع مرتباتهم. وبعد الحكم برفض الطلب، ذهبت الشاكية شقيقة المتوكل لتقديم شكوى كتبها شقيقها ضد القاضية إلى هيئة التفتيش القضائي، رغم أنه كان بإمكان الشاكية استئناف الحكم والطعن فيه وفقًا للقانون حيث لا يزال أمامها درجتان للتقاضي في مرحلتَي الاستئناف ثم في المحكمة العليا، لكنّ ما حدث كان معاقبة القاضية.

 

ويُوصف رئيس مجلس القضاء الأعلى، أحمد المتوكل، بأنه سعى للانتقام من القضاة الذين انتقدوا تقصير المجلس في حمايتهم وصرف رواتبهم وسلبيته تجاه حملة تحريض وتشهير تعرَّض لها قضاة عبر وسائل إعلام موَّلها "محمد علي الحوثي" رئيس المنظومة العدلية التي بدورها تسببت خلال السنوات القليلة الماضية بعد تشكيلها في "إفراغ السلطة القضائية من معناها المؤسسي" كما يقول لـ"النقار" المحامي بشير عبدالله.

 

ويضيف: "تشكيل هذه المنظومة كان ضربة للقضاء وتحويلًا لمهامه لصالح كيان غير دستوري ولا قانوني، وتم تحويل المحاكم إلى محاكم تفتيش لمحاكمة القضاة والعاملين في السلطة القضائية وملاحقة من يطالبون بصرف مرتباتهم".

 

ومنذ إنشائها في العام 2020، اعتُبرت المنظومة العدلية هادفةً إلى التدخل في أعمال السلطة القضائية وتهميش مبدأ استقلالية القضاء الدستوري والسيطرة على المؤسسات القضائية، كما وُصفت بأنها تكرس ممارسات الفساد المتمثلة في احتكار القوة ومصادرة الأموال العامة في المؤسسات والبنوك وصناديق المعاشات وهيئات التأمينات، فضلًا عن ممارسات مصادرة الممتلكات عبر "الحارس القضائي".

 

وللتعبير عن سوء أوضاع القضاة غير الموالين للجماعة، يُشار إلى القاضي "عرفات جعفر"، وهو قاضٍ بمحكمة غرب ذمار الابتدائية، شكا من "جوعه" وطالب بسد الجوع وصرف مرتبه حتى يعمل ويستطيع تحقيق العدالة للمواطنين، لكن المسؤولين ردوا عليه بأن ينزل إلى الدوام ويمارس "السرقة والتهبَّاش من ظهر المواطن"، وحين رفض جعفر قاموا بمحاسبته بدعاوى تأديبية ضده للتوقف عن المطالبة بصرف المرتبات.

شارك الخبر: