خاص | النقار
ابراهيم اسماعيل الكبسي، أكاديمي في جامعة صنعاء وجد أن من واجبه انتقاد الوضع والفساد ومطالبة السلطة باحترام نفسها والتعامل بمسؤولية تجاه مواطنيها.. تنزعج سلطة صنعاء ولا يروقها أن تجد صوتا أكاديميا يندد بفسادها ويطالبها بما تخلت عنه، فتعمل جاهدة على إسكات ذلك الصوت إلى الأبد.
في زقاق من أزقة صنعاء أو شارع من شوارعها، وتحديدا في ظهيرة التاسع عشر من سبتمبر أيلول، تعبر سيارة الأكاديمي الدكتور إبراهيم الكبسي بوداعة وقد خرج من عمله. يعترضه مدججون بكراهية أن يروا "مبنطلا" لينهالوا على الرجل وسيارته ضربا بأعقاب البنادق، هشموا الزجاج وكسروا الأصابع وانصرفوا هانئين وقد أبلغوا مرسلهم: تمت المهمة يا ولي الله، ليتم على إثر إتمام المهمة تلك إسعاف الكبسي إلى أحد المستشفيات.
لا بأس هنا من استحضار آخر ما كتبه الأكاديمي الكبسي على صفحته في منصة إكس وذلك قبل يوم واحد من الاعتداء عليه، حيث كانت صنعاء حينها قد صبغت بالأخضر استعدادا للاحتفاء بذكرى المولد النبوي. رأى الكبسي اللون زائفا وقد طغى على كل شيء واعتبره نوعا من القطرنة الجديدة، فـ"القطرنة والخضرنة هما صورتان من صور عبودية العقول في عصرين مختلفين لمنهج كهنوتي واحد يسلب قدرة العقول على التفكير ليتحول أصحابها إلى قطيع أعمى سائر خلف راعيه" حسب رأيه، قبل أن يضيف: "عندها فقط يتأكد الراعي من أن قطيعه خاضع ومطيع وبعيد كل البعد عن التفكير أو اتخاذ القرار وأن مسيرة هذا القطيع ستكون ميسرة".
وخاطب أنصار الله بالقول إن "الاستعراضات العسكرية والتباهي بالحشود والاحتفالات لن تنفع كيانكم الذي يعيش حالة عداء مع مطالب شعبه ونكران لحقوقه المعيشية، فاحشدوا ما استطعتم وأنفقوا المليارات فأنتم اليوم تملكون مفاتيح الثروة وتمسكون بمقاليد السلطة، لكن والله لن تزيدكم سوى سخط وكره ورفض عند غالبية أبناء الشعب"، متابعا: "هذه أموالنا وإيراداتنا ومرتباتنا التي تعبثون بها في استعراضاتكم العسكرية واحتفالاتكم الدينية المسيسة. كيف تريدوننا أن نعتبر حشودكم جيشا وطنيا يحمي الوطن ونحن نراه يؤدي قسم الولاء الطائفي لفداء الوثن؟"، في إشارة إلى زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي.
ويختتم قائلا: "هذا ليس أمننا ولا جيشنا لأنه يحمي كيانكم ويبني مشروعكم بإفقارنا وعلى حساب حقوقنا. رواتبنا نعرفها من رأس الذي يحكمنا ويجبرنا على الذهاب للعمل ويفرض علينا قراراته ويهددنا بالفصل إن تغيبنا ويجمع ايرادات بالمليارات ويصرف لنفسه ووزرائه وكبار المسؤولين مخصصات مالية بالملايين، كيف يسمي نفسه حكومة وهو عاجز عن صرف مرتبات موظفيه؟ ما يحكم دولة إلا قادر وإلا فليرحل".
ذاك آخر ما كتبه الرجل قبل أن تنهال عليه أعقاب البنادق وتحيله إلى المستشفى. ينتظر أياما حتى يسترد بعض عافية تعينه على الذهاب إلى الجهات المعنية لتقديم شكوى بالمعتدين. يتلقاه هناك زبانية آخرون ويحيلونه إلى التحقيق، ثم يغيبونه في زنازينهم ويأخذون من جسده ما تبقى من تلك العافية تحريقا وتكسيرا، "وقضي الأمر واستوت على الجودي والحمد لله رب العالمين".
مر سبتمبر وأكتوبر ونوفمبر وديسمبر، وتصاعدت أصوات ناشطين وسياسيين متسائلة عن مصير الأكاديمي الكبسي وعن سر اختفائه عن وسائل التواصل الاجتماعي، وسكتت لتصيح مرة أخرى ولا مجيب حتى الآن، فسلطة صنعاء غير معنية بالإجابة عن شيء في الداخل.
كان آخر ما يمكن العثور عليه بخصوص قضية الكبسي هو أنه احتجز في قسم وهاج ثعيل الكائن جوار "أبراج الحظاء" في شارع الخمسين، وأن سلطة صنعاء أجبرته على توقيع التزام بعدم الكتابة مقابل الإفراج عنه.
توقف الأمر عند تلك النقطة بحيث لا أحد يدري هل تم الإفراج عن الكبسي مقابل السكوت، أم مازال الرجل معتقلا مقابل عدم السكوت.