• الساعة الآن 09:39 PM
  • 17℃ صنعاء, اليمن
  • -18℃ صنعاء, اليمن

تراجيديا "القات" في الشتاء.. تعدَّدت الأخطار والسعرُ زائد

news-details

خاص| النقار - مجتمع

 

أيام صعبة يعيشها كثير من اليمنيين خلال فصل الشتاء وترقى إلى أن تكون "مأساة" للبعض، كذاك الذي ظهر مؤخرًا في فيديو يبكي على محصوله من القات البارد التالف بعد أن كان سيبيعه بمبلغ مليوني ريال.

إنه "ضريب القات" و"غلاء الأسعار الجنوني" اللذان وضعا المواطنين في مأزق أثناء موسم البرد القارس، خاصة أولئك المداومين على مضغ القات يوميًا. رغم ذلك يرى الكثيرون أن "الأزمة" لن تثني أحدًا عن "الوِلْعة"، مستبعدين أن تكون "فرصة" للإقلاع عن "التخزينة".

من أمام سوق "الجبلي"، أحد أسواق بيع القات المركزية بصنعاء، بدا المشهد خانقًا منذ الحادية عشرة ظهرًا. تحت أشعة شمس الشتاء الحارقة، يتدافع الناس بحثًا عن "علاقية الحظ" التي سيُكمل بها المواطن يومه، و"المحظوظ" فقط هو الذي سيكسر حاجز "الحَظَا" ويُبرم اتفاقًا مُرضيًا مع بائع القات "المهنجم" بطبيعة الحال، والذي يزهو بازدحام المشترين أمامه تمامًا كازدحامات مكاتب البريد أثناء صرف نصف الراتب.

"القات غالي، الدنيا شتاء، أعجبك ماشي طرحت"، ذاك لسان حال أغلب بائعي القات في هذه الأثناء، إذ لا يبدون استعدادًا لأي نقاش أمام الجماهير المحتشدة. ويبدو الأمر محسومًا بالنسبة للواحد منهم وقد علَّق عبارات تهديدية طريفة على نحو: "القات نار ومش وقت الهدار"، "في الشتاء ممنوع الدَّين وخلّيك أحمر عَين"، و"إن حَضَرَت غاب إبليس"، وغيرها من أولويات المرحلة الطارئة.

ولا يجدي نفعًا أن يفتح مشترو القات ملفات الوضع الاقتصادي الصعب أمام البائعين، إلى حد أن بعضًا من بائعي القات أنفسهم باتوا ينصحون المشتري بأن الأفضل الإقلاع عن القات هذه الفترة إذا لم يكن يملك المال، في موقف لا يقل دهشةً عن مالك مطعم ينصح الزبائن بعدم طلب نوع معين من الأكل، رغم عدم منطقية المقارنة بين الغذاء والقات، فشتّان بينهما.

وبات مشترو القات أمام خيارات ضيقة بخلاف ما هو مألوف في فصول الزراعة الأخرى، فالأسعار الصاروخية تنطبق على القات الجيد والأقل جودة والرديء، وتظهر على القات علامات لونية واضحة أو ما يشير لها "الموالعة" بـ"القات المبرود" أو "قات الضريب"، ولا مفاصلة في السعر مهما يكن سوء نوعية القات، إضافة إلى التعبئة المحدودة للغاية وصغر حجم كيس القات بسعر يبدأ في أحسن الأحوال من 2000 و3000 ريال فما فوق للكيس الواحد.

 

شتاء أكثر سُمّيَّة وخطرًا والرقابة غائبة

"كل الكوارث المالية تلقاها عندنا، لا رواتب ولا قيمة للفلوس حقنا ولا وضع سابر ولا شي، ومع ذلك تلقانا ندبّر حق القات من الجن". بهذه الكلمات يعبّر المواطن "محمد الشعوبي" عن القات كـ"حتمية وجودية".

عقب انتهائه من دفع خمسة آلاف ريال ثمنًا لـ"علاقية قات" صغيرة، وصف الشعوبي الشتاء بأنه موسم "قات الأغنياء"، وقال: "ماعادهي إلّا لهم، الناس المريّشين والمرتاحين الله يدّي لهم، والمشرفين اللي بيخزّنوا بعشرات الآلاف، احنا مساكين" على حد وصفه.

ويضيف: "ارتفاع الأسعار في الشتاء طبيعي بسبب الضريب في الجِرَب (مزارع القات)، لكن الحاصل أصبح غلاء غير عادي والقات نفسه مضروب، وأعتقد أن عدم وجود رقابة من الدولة على الأسواق يفيد الدولة لأنها مستفيدة من ضرايب القات، وهم لا يهتمون ويرفعون الأسعار والضرائب والفوائد بشكل غير طبيعي لأنهم يعلمون أن الشعب سيُقبل على شراء القات بأي شكل".

من جهته يقول بائع القات سليم ماتع، لمحرر "النقار" إن القات يتعرض لـ"الضريب" الذي قد يُفقد المزارعين حصاد موسم كامل، ويجعلهم يلجأون إلى رش القات بالسموم بكميات هائلة للحفاظ على القات المزروع وحمايته من الضمور.

ويتابع ساخرًا: "إذا كان الزبائن يشكون من غلاء البيع، فنحن نشكو من غلاء الشراء من "الرَّعَوي"، والرَّعَوي يشكو من البرد وبيقتل القات سُم، والدولة تشتي زلط مننا جميعا وكله بحسابه".

مزارعو القات يؤكدون أن الشتاء أكثر سُمِّيَّة من غيره بالنسبة لزراعة القات، حيث يستخدمون أقوى السموم ليحافظ القات على صحته بعيدًا عن الجفاف والضمور.

ووفقًا لمزارعين في مناطق أرحب وبني مطر بصنعاء والحداء بذمار، فإن ضمان الحفاظ على رأس المال وكذا إدرار أرباح مالية لهم يتطلّب ضخ السموم القاتلة والمحظورة على شجرة القات، بما فيها السموم المسماة شعبيًا "أبو علبة بنية" والمستخدمة في بلدان أوروبية لرش أشجار الزينة والغابات في فترة الثلوج لمنع جفافها، مما يحوّل لون ورقة القات إلى اللون البني الداكن الضار للغاية بجسد الإنسان وبالأخص على الكبد والكلى والدم.

يحدث ذلك أيضًا وسط دخول للسموم والمبيدات بعيدًا عن الرقابة في عمليات استيراد غير قانونية كان آخرها تمرير مبيدات سامة من نوع "بروميد الميثيل" المحظور وإسرائيلي المنشأ، وفقًا لوثيقة تم تداولها مؤخرًا أكدت أن قوة أمنية حوثية قامت رغمًا عن الجمارك بإخراج الشحنة من ساحة الجمرك التي تشكل تهديدًا على المحاصيل الزراعية وصحة الإنسان، وذلك بوصف الشحنة مصدرًا من مصادر التمويل. وتتبع الشحنة التاجر "دغسان أحمد دغسان" الذي قام أخيرًا بإعادة قاطرة المبيدات إلى مبنى الجمرك وهي خاوية. ويُذكر أن مدير مكتب الرئاسة، أحمد حامد، أتاح لدغسان استخراج تراخيص لـ61 نوعًا من المبيدات.

وتنعدم أية خطوات رسمية، حتى التوعوية للمستهلكين من جانب وزارة الصحة، تجاه الأضرار التي تمثلها الحالة الراهنة للقات الأشد سُمّيَّة.

في السياق، ورغم أن سلطات صنعاء تؤكد أن المبالغ والرسوم المفروضة على بائعي القات محددة وغير قابلة للزيادة، وتَقرّر تسديدها العام الماضي عبر المحفظة الإلكترونية "موبايل موني"، إلا أن بائع القات "بشير عولقي" يقول من أحد الصناديق المتراصّة جوار إحدى جولات العاصمة، إن الحكومة "تبتز المكلفين وقد رفعت الضرائب بما يقدّر بأكثر من 200% خلال أشهر قليلة، وإلى جانب الحكومة أولئك الذين يجمعون أموال الابتزاز من الصناديق تحت مسميات مثل حق الإقامة وحق الطريق وحق النظافة ومافيش نظافة، وعادةً يكون هؤلاء من أصحاب المنطقة نفسها، مثل صاحب العمارة المجاورة للصندقة الذي يوكل لأبنائه جمع الأموال منا".

ويشير عولقي إلى أن "صندقة معينة أو أكثر قد تتعرض للإزالة من قبل البلدية، بدعوى المخالفة وغير ذلك خاصة في الشتاء، لكن باقي الصناديق تبقى على ما هي، لماذا؟ لأنهم "يصلّحون" أمورهم مع البلدية"، ويؤكد: "إذا كان هناك مخالفة فعلًا فليزيلوا كل الصناديق ونحن قابلون، أما هذا التمييز وشبكة المصالح فيؤثر على أرزاق آخرين".

وبين غياب الرقابة الرسمية على القات الطافح بالسموم من جهة، والانتفاع المالي الرسمي وغير الرسمي من جهة أخرى، ثمة مواطن يقف تائهًا في المنتصف أصبح يتخذ لنفسه قناعة بأن "القات" بات "قُوتًا" بديلًا، أو على الأقل علاجًا مسكّنًا ينسيه صعوبات الواقع المعيشي ويخدّره عن تعقيدات حياته اليومية.

شارك الخبر: