تحمل المستشفيات اليمنية الخاصة والحكومية ألف حكاية والعيادات وغرف العمليات ألف رواية والصيدليات والمختبرات والكشافات ألف قصة غريبة في بلد تضربه الازمات السياسية وصدمات الجشع وصواعق أصحاب المصالح بعد ان انهارت فيه القيم الدينية و الانسانية واخلاقيات المهنة التي أنعشت ثقافة الطمع والاحتيال والاثراء غير المشروع في ظل غياب المسؤولية القانونية والرقابة وانعدام الضمير.
نسمع ونقرأ ونشاهد يومياً قصة مريض صادمة وحكاية مُسعف ضحية وأسرة مرعوبة مما يحدث في الكثير من المستشفيات اليمنية الخاصة والحكومية ، منذ استقبال المريض والكشف عليه في دقائق والبدء في فنون الشيطنة بتحويله لا جراء الفحوصات عند فلان والكشف عند علان والاشعة عند زعطان وانتهاء بصيدلية بساط الريح الذي تبيع الدواء بأسعار مبالغ فيها عن غيرها من الصيدليات في عملية تشلح للمريض واسرته بطريقة فنية يعجز عنها ابليس.
والسؤال المثير للجدل في الاوساط الشعبية والدامي للقلب والموجع للضمير ، ماهي الاسباب الحقيقية التي أدت الى ارتفاع أمراض السرطان والقلب والفشل الكلوي وانتشار الامراض العصبية والنفسية وحالات الاكتئاب بين الشباب والفتيات وغيرها من الامراض الفتاكة.
والسؤال الذي يدور في مخيلة كل مصاب أو عائل مريض، لماذا تتكدس مستشفياتنا بالاطفال والنساء والشباب وكبار السن في طواريد الطوارئ العجيبة والغريبة بصورة صادمة ، ولماذا لاتقوم الدولة ببناء مدينة طبية متخصصة بالعاصمة صنعاء وفي كل محافظة ومدينة يمنية أو على الاقل بناء عدد من المتشفيات لمواكبة واستقبال ملايين المرضى وتقديم الرعاية الطبية لهم تجسدياً للمسؤولية القانونية والاخلاقية وحقوق المواطنة؟
والسؤال المنطقي والمشروع لماذا لاتقوم الحكومة ببناء أكثر من مستشفى في المدن اليمنية لتخفيف الضغط على على مستشفيات العاصمة.. وهل يُعقل أن عاصمة يسكنها اكثر من 7 ملايين مواطن لايوجد بها الا المستشفى الجمهوري والثورة والكويت والسبعين للولادة والعسكري ياتيها البعض من المحافظات الاخرى ، واين دور الدولة والحكومة ورجال الاعمال والمستثمرين!!
مستشفيات ومراكز صحية وأقسام للاسعاف ووحدات طوارئ مزدحمة جداً بالامراض وأماكن تفتقد الى الهواء النقي وازدحام ومداكمه يساعد على انتقال العدوى والامراض المختلفة..
عيادات خارجية تفتقد الى أبسط الشروط والمعايير المهنية من خدمات ونقالات واسعافات أولية وعلاجات مجانية ومدعومة او بأسعار معقولة غير متاحة حتى تحولت مستشفياتنا من الازدحام الى غرف للانعاش والعناية المركزة والموت السريع ؟.
أسعفت قبل فترة احد الزملاء الى مستشفى حكومي بُني من اموال الشعب بالعاصمة صنعاء ودفعنا قيمة تذكرة الدخول للمعاينة الذي يفترض ان تكون مجانية ، وتحدث الطبيب خمس دقائق مع الحالة الطارئة وقرر له فحص السكري في المستشفى الذي لم يملك شريحة فحص الكترونية رغم ثمنها الزهيد وذهب اشتريها من صيدلية خاصة بجوار المستشفى ، ثم قرر له الطبيب جرعة علاج واشتريناها من الصيدلية المذكورة وتم ضربها بالداخل مجاناً ثم احال المريض الى عمل كشافة واشعة وفحص داخل المستشفى الحكومي لنجد ان فارق السعر زهيد بين الحكومي وأصحاب الاشعة والمختبرات والكشافات الخاصة!!؟
والطريف في الامر والاكثر رهبة ان الناس تسمع ان بعض المستشفيات الخاصة تحولت بعض غرفها الى اماكن للاحتجاز القسري والاقامة الجبرية لبعض المرضى المعسرين التي أضطرتهم الظروف الصحية الى ان يقعوا فريسة وضحايا عالم تحكمه شريعة الغاب ، ورغم حجزه التعسفي وتقييد حريته كل يوم يتم احتساب تكاليف الغرفة المحتجز فيها المريض الغلبان ، بينما نجد في دول الغرب المعاملة الانسانية في مثل هذه الحالات تتبناه جمعيات ومنظمات ورجال اعمال وأحياناً تعفي ادارة المستشفى تلك الحالات لدواعي انسانية بينما بعض مستشفيات أبويمن تتحول فجأة بالنسبة للمعسر الذي تم تشليحه الى سجون ولا اريد ان اسرد بعض القضايا التي تعرض لها بعض الامراض ومعاناة اسرهم والتي وصلت الى حد الصحافة ونقابة الاطباء والنيابات.
نسمع الكثير من القصص المؤلمة ونقرأ بعض الاخبار الصادمة ونشاهد الكثير من الضحايا ومئات الاخطاء الطبية القاتلة التي بعضها يتم التستر عليها والبعض تُحل بصورة ودية وثالثة تذهب الى القضاء ، ورابعة تُغلق بضغط مراكز النفوذ العابثة.
ومن المعيب أن يتحول الكثير من الاطباء الى محتالين وانتهازيين يتربصون بالفريسة منذ اللحظة الاولى التي دفعت بهم الاقدار الصحية لدى مصيدة هذا الطبيب أو ذلك البيطري والجلوس مع الدكتور نحو خمس أو عشر دقائق للفحص ومن ثم البدء بمسلسل الاحتيال والنصب وشفط وتمشيط وتعطيل جيوب الغلابة.
والمؤسف حقاً ان وصول المريض الى المستشفيات الخاصة يُعتبر بمثابة " صيد" لفاقدي الضمير الذين يشعرون المسعفين بان المريض قاب قوسين او ادنى من الخطر رغم ان السبب قد يكون تافه وقد يزول بحبه أو شراب ، وبعدين اسمع لك وقصدة الله والفجايع والفواتير الحنانة والطنانة.. اذهب الى كشافة فلان .. أعمل اشعة عن الدكتور فلان ..افحص عند المختبر الفلاني ..اشتري العلاج من الصيدلية الفلانية.. والحسابة بتحسب والنسبة بتتصاعد على حساب المريض والمستفيد الطبيب النصاب وزمرته من بياطرة العصر الحديث.
ومن المخجل ان يتحول بعض الأطباء في المستشفيات الحكومية الى قراصنة من خلال العرض على المريض بمراجعة الطبيب في عيادته الخاصة للاهتمام به واعطائه كرت العيادة والتلفون ، في دليل على فقدان الأمانة والتجرد من اخلاقيات المهنة والإنسانية ، في محاولة لامتصاص دماء واموال العيانيين.