• الساعة الآن 01:08 AM
  • 10℃ صنعاء, اليمن
  • -18℃ صنعاء, اليمن

الكرار المراني يكتب.. لا نهضة مع التصفيق الأعمى، ولا كرامة مع تكميم الأفواه

news-details

 

الكرار المراني

ليست الهزائم الكبرى وحدها تلك التي تأتي من وراء الحدود، بل من أخطرها تلك التي تُصنَع داخل الوعي الجمعي عندما تحول "ثقافة التطبيل" إلى فضيلة، ويُخَوَّن النقد بحجة " المصلحة العامة"، عندها يصبح الخطر داخليًا، صامتًا، يتغذّى من التصفيق والتطبيل، ويكبر كلما علا الضجيج!

ثقافة التطبيل لا تكتفي بتزييف الواقع، بل تعيد صياغته وفق هوى السلطة ومسؤوليها،إنها لا تبحث عن الحقيقة، بل عن الرضا، لا تسأل "هل ما يحدث صحيح؟" بل "من قاله؟ ولمن يُقال؟"، في ظلها يُكافأ المطبل الكاذب إن أحسن التطبيل، ويُقصى الصادق إن قال الحقيقة، وهكذا تُقتل الحقيقة لا برصاصة، بل بعاصفة تصفيق التطبيلة!

الأخطر من ذلك أن التطبيل لا يُمارَس كفعل فردي عابر، بل يُدرَّس كسلوك وطني، يُلقَّن الناس أن الولاء يعني السكوت، وأن الانتماء يُقاس بارتفاع الصوت المطيع لا بعمق الفكرة الصادقة، يصبح النفاق مهارة اجتماعية، وتتحول المبالغة إلى شرط للقبول، ويُعاد تعريف الوطنية على أنها ترديد ما يُطلب، لا الدفاع عمّا هو حق!

بهذه الثقافة، تفقد المجتمعات مناعتها الأخلاقية، فحين تُلغى المساءلة، تتوحش الأخطاء، وحين يُخنق النقد، تتراكم الكوارث، وحين يُطارد أصحاب الرأي، يُفسَح الطريق للانتهازيين، لا يُهزم المجتمع فجأة، بل يتآكل ببطء، حتى يصبح عاجزًا عن رؤية علّته، فضلًا عن علاجها!

ثقافة التطبيل أخطر من العدو؛ لأن العدو واضح، يُقاوَم، ويُحشد ضده، أما التطبيل، فيرتدي ثوب الحرص، ويتكلم لغة الوطنية والولاء، ويدّعي الخوف على الوطن، وهو في الحقيقة يجرّده من آخر خطوط دفاعه: الصدق، العدو قد يدمّر حجرًا، أما التطبيل فيدمّر البصيرة ويهدم الوعي الجمعي للشعب!

لا نهضة مع التصفيق الأعمى، ولا كرامة مع تكميم الأفواه، ولا وطن يُبنى على الأكاذيب مهما كانت مزخرفة، فالمجتمعات الحية لا تخاف الحقيقة، بل تخاف غيابها. والسكوت المتواطئ لا يصنع استقرارًا، بل يؤجل الانفجار!

إن أخطر ما يمكن أن يُزرع في أي أمة ليس الخوف من العدو، بل الخوف من قول الحقيقة، وحين يصبح الصدق جريمة، ويُمنح النفاق وسامًا، فاعلم أن الخطر أصبح داهماً والكارثة تلوح في الأفق!

شارك المقال: