نادية قاسم
الجلسة السابعة تحوّلت إلى وقفة احتجاجية سلمية مطالبة بإطلاق سراح المهندس عدنان وإعادة فتح شركة برودجي من قبل أسرة وموظفي ومناصري القضية. الثلاثاء 28 نوفمبر.
ها نحن نصل إلى الجلسة السابعة في المحكمة الجزائية بخصوص قضية برودجي، ولا يزال المهندس عدنان الحرازي سجيناً رغم عدم ثبوت شيء عليه.
كان الحاضرون لهذه الجلسة أكثر عدداً من الجلسات السابقة، كيف لا، وآمال الجميع أكبر من كل مرة، وتوقعات المحامين ونحن بالبت بالافراج عن عدنان بضمانة وفتح الشركة ليس عليه غبار بإذن الله.. لكن ذلك لم يحدث بكل أسف، وهنا اسمحوا لي أن أصف لكم جلسة اليوم كما رأيتها:
في جميع الجلسات السابقة كان عنصر المفاجأة يفرض نفسه علينا بصور مختلفة إما قرارات أو إجراءات تهدف لزيادة إرهاقنا وإتلاف أعصابنا.
وفي جلسة اليوم وصلنا الى بوابة المحكمة وكان هناك قرار "تمييزي" يقضي بألا يُسمح بحضور أكثر من خمسة نساء!!
لماذا النساء؟؟
ماذا فعلنا بهم نحن بالذات؟؟
ذهبنا لنستأذن من القاضي بدخول الأخوات والموظفات الحاضرات وبالكاد وصلنا إليه، وبعد أخذ ورد سُمح بدخول عشر نساء من أقارب عدنان.
ثم بعد معاناة ومشادّة مع رجال الأمن تم السماح بدخول جميع الحاضرات اللاتي كُن متوجدات، وكان الحضور في هذه الجلسة بأعداد تفوق الجلسات السابقة من كلا الجنسين كما سبق وذكرت.
شاهدت زوجي المهندس عدنان، البريء، وهو يقف داخل القفص في القاعة.
كان يرتدي الزي الأزرق المخصص للمتهمين، وكانت يديه مكبلتين.. بجانبه، كان يقف اثنان من رجال الأمن ملثمين وكأنه كبير المجرمين.
قلبي يحترق من الألم عند رؤية زوجي بهذا الحال، هذا الزوج الذي عرفته كخادم لوطنه وفقرائه ومحتاجيه. ما هذا الوطن الذي يقتل روح المخلصين له ويسجن ما تبقى من أجسادهم؟
لم يهوّن عليّ هذا المشهد المؤلم إلا أنني رأيت زوجي يبتسم لي ولموظفيه وللحاضرين بكل ود. وكلما دخل شخص جديد، يبادر بتحيته من داخل القفص، كما لو أننا في احتفال هو المضيف فيه.
كم أحببت تلك الابتسامة، وكم سكنتني السكينة عند رؤيته وهو يتمتع بكل ذاك الإيمان بالعدالة الإلهية التي تملأ قلبه بالطمأنينة.
ظلت الأمور كما هي وأنا أراقبها، وانتظرنا لفترة طويلة في قاعة المحكمة. ثم جاء أحد أفراد الأمن وطلب استدعاء عدنان وأخذوه خارج القاعة لأن القاضي طلب حضوره إلى مكتبه.
في البداية، شعرنا بالتفاؤل لأنها كانت هذه المرة الأولى التي يتم فيها استدعاء عدنان، أضف إلى ذلك توقعاتنا بقرار خروجه بضمانة أو كفالة وإعادة فتح الشركة،واعتقدنا أن القاضي قد اتخذ قرارًا بشأن القضية المنتظرة، سواءً كان ذلك بفتح الشركة أو إطلاق سراح عدنان، أو على الأقل أحدهما.
انتظرنا وانتظرنا وانتظرنا...
وفجأة، فُتح باب القاعة، وصاح أحد العساكر: "عدنان خرج". انتابت الحضور موجة من الفرح، وانطلقت همسات "الحمد لله" في القاعة.
رأيت عمة عدنان تسجد على أرض المحكمة، سجدة شكر تعبر فيها عن امتنانها لله عز وجل على قرار الإفراج عن عدنان وخروجه.. لكننا بعد ذلك علمنا أن العسكري كان يقصد أن عدنان خرج من مكتب القاضي فقط.. وعاد الانتظار والوجوم.
اعتقدنا أنه طالما خرج عدنان من مكتب القاضي فسيعيدونه إلى قاعة المحكمة، ويأتي القاضي والمحامون لتبدأ الجلسة. ولكن اتضح فيما بعد أن القاضي طلبهم إليه لعقد جلسة سرية مفاجئة. رغم أننا علمنا لاحقاً بأن مكتبه كان مزدحم بأشخاص آخرين كُثر لدرجة أن شقيق عدنان بنفسه بقي في غرفة مدير مكتب القاضي ولم يتمكن من الدخول بسبب الاكتظاظ في المكتب.
وبقيت أتسائل:
كيف تم نقل الجلسة فجأة؟ لا ندري.
وهل ينطبق على هذه الجلسة صفة "جلسة سرية" أو "جلسة خاصة" لا أعتقد. فالازدحام الكبير والحضور الكثيف في المكتب ينفي عنها هاتين الصفتين.
والحقيقة لم أعرف بدايةً هل تعتبر هذه الجلسة السابعة من جلسات المحاكمة أم أنها غير محسوبة!!
وماذا بخصوص ما كان محدداً للجلسة السابعة وحضّر المحامون أنفسهم له، مثل سماع اقوال بقية الشهود الذين لم يتسع الوقت للاستماع لأقوالهم في الجلسة السادسة؟
وماذا عن رد المحامين حول تعليق الادعاء على دفوعهم في الجلسة الماضية بأنهم كانوا يستخدمون عبارة "سلطة الجنوب" بدلاً عن "المرتزقة" حسب قوله؟؟
ولماذا لم يتم إصدار مذكرات طلب حضور الشهود الذين حددهم الدفاع من المحكمة؟
لكن رغم كل تلك التساؤلات لم نفقد ثقتنا في عدالة المحكمة أو في القاضي رئيس المحكمة.
تراجعت آمالنا وتوقعاتنا بإطلاق سراح المهندس عدنان في الجلسة السابعة بكفالة أو ضمان، وبإعادة فتح الشركة مرة أخرى في هذه الجلسة.. وعدنا الآن لنقطة البداية، حيث تبخرت الآمال الكبيرة التي عقدت على هذه الجلسة.
خرجت للبحث عن عدنان وسألت عنه حتى وجدته وهم ذاهبون به إلى السيارة التي ستعيده إلى السجن.
لاحظت تغيرًا واضحًا في ملامحه المتفائلة التي كان عليها عندما رأيته داخل قفص المتهمين في قاعة الجلسة يرحب بكل من يدخل. وسمعت منه بعض كلمات، قال فيها: يبدو أنه لا فائدة.. كالعادة، مجرد مماطله، لكن الله معنا ولن نستسلم.
لمن لا يعرفون عدنان، صدقوني أننا نشعر بالتفاؤل عندما نراه، بعد أن تكون الأيام والتحديات التي واجهناها خلال متابعتنا لقضيته قد أثرت على عزيمتنا. ولكن هذه المرة، كانت الأمور مؤلمة للغاية، ولا يمكننا سوى القول "حسبنا الله ونعم الوكيل".
عدنان بعد عشرة شهور من السجن وبعدما رُفعت الآمال على هذه الجلسة اصيب ببعض الاحباط، ومع كل ذلك تبقى ثقتنا جميعا بالله لا تهتز.
لم نجد، نحن كـ "أسرة، موظفون، ومناصرون" في قضية برودجي أنفسنا سوى في وضع يجعلنا نقوم بوقفة احتجاجية سلمية دون أي ترتيب مسبق اليوم، للتعبير عن صدمتنا من تأخر إصدار أي قرارات، وألمنا على عدنان وعلى أنفسنا.
واعذرونا على ذلك فالأمر لا يتوقف على جلسة مضت بغير ما كان متوقع، فقد مضى أكثر من عشرة أشهر على اقتحام الشركة وإغلاقها، وسجن مديرها، ونحن نقترب من الشهر الرابع منذ اُدرجت القضية في النظام القضائي.
وها هي الجلسة السابعة، انتقلت الأمور فيها فجأة من قاعة المحكمة إلى مكتب القاضي، وانتهت دون أي تطورات جديدة أو إصدار أي قرار بخروج عدنان أو فتح الشركة.
وبالتالي، فنحن أمام امتحان جديد وموعد آخر نعلق آمالنا فيه على الأسبوع المقبل، بأمل أن نحصل على قرارات ملموسة وعادلة بإذن الله. لكن النفوس حرى.
وهكذا حدث في هذا اليوم شيء جديد..
حيث تجمعت حشود الحاضرين التي جائت لجلسة المحكمة بشكل عفوي على أمل أن يتم إطلاق سراح عدنان وفتح الشركة، ودون أي ترتيب مسبق، للتجمع ووقفوا أمام المحكمة الجزائية وقفة احتجاجية سلمية بعد تيقنهم بعدم اطلاقه بكفالة أو إعادة فتح الشركة.
وقفة تضاف إلى قائمة الوقفات السلمية السابقة التي قمنا بها، والتي كان قد بلغ عددها ثمانية.
بدأت الأولى أمام مبنى شركة برودجي، والثانية أمام مبنى المخابرات، والبقية توزعت أمام النيابة الجزائية ومكتب النائب العام حتى تمكنا بفضل الله من إيصال القضية إلى المحكمة، حيث كنا نبحث عن العدل والشعور بالأمان لعدنان وأنفسنا نتيجة الالم والظلم والاستقواء وما لحق بنا طيلة ثمانية شهور.
وكنا نعتقد أن تلك المرحلة قد انتهت. ولكن اليوم، لمسنا ذلك الشعور غير المريح السابق، وقمنا بالوقفة الاحتجاجية السلمية العفوية التاسعة، أمام مبنى المحكمة الجزائية.
ولا حول ولا قوة إلا بالله.