• الساعة الآن 03:18 PM
  • 21℃ صنعاء, اليمن
  • -18℃ صنعاء, اليمن

انسحبت إسرائيل.. وبقي اللبنانيون يضحكون على نفسهم

news-details

خيرالله خيرالله

بعد 23 عاما على الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان لم يبق شيء من لبنان. لا يزال مطلوبا، اكثر من أي وقت، استخدام الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان كورقة في عملية تدمير ممنهجة للبلد، عبر تهجير اكبر عدد ممكن من أبنائه، خصوصا الشبان المسيحيين منهم. لم يعد سرّا أن لبنان الذي عرفناه انتهى إلى غير رجعة، كما تغيّرت طبيعة مجتمعه التي كانت مرتبطة بثقافة الحياة أوّلا. حصل ذلك بعد مراحل ثلاث مرّ بها البلد.

تمثلت المرحلة الأولى في النشاط الفلسطيني المسلّح الذي تسبب به، خصوصا، السياسيون الذين وقفوا مع اتفاق القاهرة الموقع في العام 1969 والذي أوصل لاحقا إلى الإجتياح الإسرائيلي صيف العام 1982. خلّف الإجتياح كوارث على كلّ المستويات. لم يكن النظام السوري يوما بعيدا عن النشاط الفلسطيني المسلّح. ا كان جزءا لا يتجزأ منه، وقد استخدمه، قبل العام 1976 وبعده لتبرير السيطرة العسكرية على معظم الأراضي اللبنانيّة بموافقة اميركيّة وضوء أخضر إسرائيلي في الوقت ذاته.

جاءت المرحلة الثانية في شكل وصاية سورية مباشرة وكاملة بعدما سلّم ميشال عون قصر بعبدا ووزارة الدفاع اللبنانية في اليرزة إلى القوات السوريّة في 13 تشرين الأوّل – اكتوبر1990. كان ميشال عون يقيم في القصر الرئاسي بصفة كونه رئيسا لحكومة موقتة ذات مهمّة محصورة بانتخاب رئيس جديد للجمهورية خلفا للرئيس أمين الجميّل الذي انتهت ولايته في أيلول – سبتمبر 1988.

أمّا المرحلة الثالثة من عملية القضاء على لبنان، وهي عمليّة ما زالت مستمرّة، فإنّها بدأت مع الانسحاب الإسرائيلي من جنوبه في 25 أيّار – مايو 2000 تنفيذا لقرار صادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في آذار – مارس من العام 1978. انسحبت إسرائيل من الشريط الحدودي في ظلّ تفاهم غير مباشر مع "حزب الله"، الذي ليس سوى لواء في "الحرس الثوري" الإيراني. كان التفاهم بوساطة المانية. لعبت برلين دور الوسيط بين الجانبين.

أمّنت إسرائيل انسحابا آمنا لجنودها بعدما بقيت تتكبد خسائر بشريّة طوال سنوات عدّة. وجد ايهود باراك، رئيس الوزراء وقتذاك، أنّ ليس ما يدعو إلى تحمّل خسائر في جنوب لبنان، خصوصا أنّ مثل هذه الخسائر لا تؤمّن أي مردود سياسيّ. على العكس من ذلك، كانت في إسرائيل اكثريّة شعبيّة مؤيدة لقرار الإنسحاب من جنوب لبنان الذي ليس هضبة الجولان السوريّة المحتلّة في 1967 والتي تصر كلّ الحكومات الإسرائيلية، بغض النظر عن طبيعتها وتوجهاتها، على الإحتفاظ بها إلى ما لا نهاية لدواع امنيّة.

بعد 23 عاما على الانسحاب الإسرائيلي، يتبيّن أنّ اللبنانيين ما زالوا يضحكون على نفسهم. لا يريد اللبنانيون الإقتناع بأن الانسحاب الإسرائيلي كان خطوة أولى على طريق وضع اليد الإيرانيّة على البلد. حصل ذلك بالفعل بعد اغتيال رفيق الحريري في 14 شباط – فبراير 2005. انسحب الجيش السوري من لبنان نتيجة اغتيال رفيق الحريري، وهو اغتيال معروف من نفّذه في ضوء ما توصلت إليه المحكمة الدوليّة. استغل "حزب الله" الفراغ الأمني لملئه على طريقته الخاصة. فرض سلاحه على لبنان واللبنانيين.

كان في استطاعة اللبنانيين رفض أن تغريهم الشعارات التي تتحدث عن دحر الاحتلال في العام 2000. كان في استطاعتهم استغلال هذا الانسحاب وتحويله لمصلحة بلدهم. فعلوا عكس ذلك. لعبوا كلّ الأدوار المطلوبة منهم كي يتفادوا الإعتراف بالحقيقة المرّة. تتمثل هذه الحقيقة في أنّ لا خلاص لبلدهم ما دام سلاح "حزب الله" موجودا على الأرض اللبنانيّة. يستحيل التفاوض مع طرف يرفض التخلي عن سلاحه ويعترف أنّه في خدمة المشروع التوسّعي الإيراني الذي يشكّل لبنان جزءا منه وهدفا من أهدافه المعلنة... حتّى لو تظاهر المسؤولون الإيرانيون بأنّهم يريدون مساعدة لبنان وتحقيق الوفاق فيه.

هل توجد دولة قابلة للحياة في العالم تعيش في ظلّ سلاح ميليشيوي يدعو إلى تعايش مع سلاح الجيش النظامي؟

يتوجب على المواطن اللبناني صباح كلّ يوم ألّا يضيع وقته بأسئلة مرتبطة بأسباب انهيار البلد الباحث عن رئيس للجمهوريّة. هناك سؤال واحد يختزل كلّ الأسئلة، بما في ذلك لماذا كلّ هذا الإصرار لدى ايران على فرض من هو رئيس الجمهوريّة اللبنانيّة المسيحي؟

يكمن هذا الإصرار في رغبة واضحة وصريحة، وهي رغبة أن يكون لبنان جرما يدور في فلك "الجمهوريّة الإسلاميّة". لا فائدة من كلّ الأسئلة الأخرى. اختارت "الجمهوريّة الإسلاميّة" ميشال عون رئيسا للجمهوريّة وامنت انتخابه في مجلس النواب في 31 تشرين الأوّل – أكتوبر 2016. لم يكن وقوع خيار ايران على ميشال عون رئيسا للجمهوريّة صدفة. استطاع الرئيس السابق للجمهوريّة، بشراكة مع صهره جبران باسيل ونواب "التيّار" التابعين له، تنفيذ المهمّة التي عليهم تنفيذها وصولا إلى تأمين انهيار النظام المصرفي اللبناني الذي لن تقوم له قيامة في المستقبل القريب.

كان يمكن للانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان أن يوظّف في خدمة لبنان. وظّف في عملية تدمير ممنهجة للبلد. بدأ ذلك باختلاق قضية مزارع شبعا لتبرير احتفاظ "حزب الله" بسلاحه. ينطبق على مزارع شبعا القرار 242، الذي لإسرائيل تفسيرها له نظرا إلى تمسكها باحتلال الضفّة الغربية والقدس والجولان. نفذت إسرائيل القرار 425 وانسحبت من جنوب لبنان. أكّدت الأمم المتحدة ذلك. لكنّ اللبنانيين مصرّون على الضحك على انفسهم والذهاب في ذلك إلى النهاية. ليس ما يشير إلى الإنهيار اللبناني الذي بدأ من الانسحاب الإسرائيلي من الشريط المحتلّ سيتوقف قريبا. لن يتوقف إلّا في اليوم الذي لن يعود فيه لبناني يتجرّأ على فتح موضوع سلاح "حزب الله"، رمز الاحتلال الإيراني للبلد. يوجد على اجندة "حزب الله" في هذه الأيام موضوع انتخاب رئيس للجمهوريّة يكمل ما بدأه ميشال عون وصهره ولا شيء آخر. مطلوب خطوة أخرى على طريق الإستسلام نهائيا امام المشروع الإيراني.

 

*صحيفة العرب

 

 

 

شارك المقال: