المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف
أرى أن إسرائيل قد شرعت بالفعل في تحقيق هدفيها الاستراتيجيين: القضاء على التهديد الديموغرافي الفلسطيني وتحييد إيران.
وهجوم حماس ليس سوى صدفة موفقة ("إسرائيل الضحية")، وهي لحظة تاريخية محظوظة قد لا تتكرر.
المرحلة الأولى
بعد انتهاء المهلة النهائية التي منحتها إسرائيل لإخلاء السكان المدنيين الفلسطينيين إلى جنوب القطاع، سيبدأ القصف الشامل على شمال غزة، والذي سيستمر عدة أسابيع حتى يتم تهجير جميع السكان إلى الجنوب أو قتلهم. ومن غير المرجح أن يدخل الجيش الإسرائيلي إلى أراضي القطاع، رغم أنه لا يمكن استبعاد محاولات للقيام بذلك. إلا أنه لا يوجد لدى إسرائيل، في رأيي، هدف القيام بذلك بأي ثمن، وإذا واجهت القوات الإسرائيلية مقاومة، فلن يذهبوا إلى أبعد من ذلك، وسيقتصرون على القصف.
في الوقت نفسه، سيستمر الضغط على مصر لفتح ممر للاجئين.
سيتبع ذلك إنذار نهائي جديد، يطالب السكان المدنيين بمغادرة النصف الشمالي من جنوب غزة والاقتراب أكثر من الحدود. فإذا قسمت غزة افتراضيا إلى أربعة أجزاء من الشمال إلى الجنوب، فستكون الحركة من الربع الثالث إلى الربع الرابع.
سيتكرر القصف الشامل على النصف الشمالي من جنوب غزة (الربع الثالث) لعدة أسابيع، مع استمرار القصف على ما تبقى من شمال غزة (الربعين الأول والثاني).
هل هي النكبة الثانية أم الحرب العالمية الثالثة؟ وماذا بعد؟
ومن المحتمل أن يتم تخفيف الحصار إلى حد ما، ويحصل الفلسطينيون حينئذ على الماء والغذاء، لأن هدف إسرائيل هو طرد، وليس قتل، كافة السكان المدنيين في غزة.
المرحلة الثانية
إذا لم تتراجع بعد ذلك مصر عن قضية معبر رفح، فسوف تقصف إسرائيل حدود غزة مع مصر بأكملها، حيث سيتم إزالة جميع الحواجز حتى يتمكن أي شخص من العبور فعليا إلى الأراضي المصرية. بعد ذلك، سيتم إصدار إنذار جديد لجميع السكان المدنيين لمغادرة الربع المتبقي من غزة إلى مصر.
على شاشات التلفزيون، لن نرى لقطات مروعة لتدمير غزة فحسب، بل سنرى أيضا لقطات مروعة لجنود مصريين يحاولون منع نساء فلسطينيات باكيات وأطفال جرحى بين أذرعهن وشيوخ ملطخين بالدماء من دخول مصر. أعتقد أنه من الحتمي حينها أن تقع أحداث مؤسفة ويموت البعض.
بمعنى أن مصر سوف تواجه ضغوطا هائلة من المجتمع الدولي ومن سكانها، وأعتقد أنه سيتعين على الحكومة حينها الاستسلام وقبول اللاجئين. أو سيتمكن اللاجئون من اقتحام الأراضي المصرية بأنفسهم، وبعدها ستقف حكومة البلاد في مواجهة الواقع.
في الوقت الراهن تبدو إسرائيل في عجلة من أمرها، وبإمكاننا افتراض أنها ليست خائفة من خطر حدوث كارثة إنسانية فورية واحتمال فتح جبهة ثانية من قبل "حزب الله". وفي رأيي المتواضع، ومن وجهة نظر النتيجة، سيكون من الأفضل لإسرائيل أن تبطئ الوتيرة من أجل فتح جبهة ثانية لاحقا وليس الآن، إلا أنه قد يكون لدى نتنياهو تصور مختلف لقدرات إسرائيل وأولوياتها. بشكل أو بآخر، أنا أشير إلى الترتيب الزمني الذي سيكون أكثر فعالية بالنسبة لإسرائيل من وجهة نظري.
لذلك، أعتقد أن طرد الفلسطينيين سيستغرق عدة أشهر، ستتمكن خلالها إسرائيل من تجنب فتح جبهة ثانية، باستثناء المرحلة الأخيرة من التطهير العرقي.
وسيؤدي الإنذار النهائي بشأن غزة إلى اندلاع انتفاضة في الضفة الغربية عاجلا أو آجلا.
ومن المحتمل أيضا أن يقوم "حزب الله" ببعض الأعمال وزيادة القصف على الأراضي الإسرائيلية. وطالما أن "حزب الله" يقتصر على القصف، فإن إسرائيل ستتسامح معه، أي أنها سترد بالقصف، دون دخول الأراضي اللبنانية، وقد تشارك الولايات المتحدة في قصف لبنان، ولكن ليس بالضرورة.
ستستخدم إسرائيل أعمال الشغب في الضفة الغربية وقصف "حزب الله" لتكرار ما حدث في غزة بالضفة الغربية: الترحيل إلى مصر. وسوف تستخدم العواقب الأكثر خطورة والدمار الناجم عن صواريخ "حزب الله" لتوطيد المجتمع الإسرائيلي وتبرير التطهير العرقي في الضفة الغربية أمام المجتمع الدولي.
المرحلة الثالثة
أشك في أن إيران ستدخل الحرب طواعية، ورغم أن تحييد إيران هو الهدف الاستراتيجي الثاني لإسرائيل، إلا أنني لا أعتبر هذه المرحلة حتمية في الأشهر المقبلة.
علاوة على ذلك، فإن المرحلة الثانية، أي التطهير العرقي في الضفة الغربية، يمكن أيضا تأجيلها إلى وقت لاحق. ففي رأيي، أن من مصلحة إسرائيل تمديد العملية، حيث أن التدخل الإيراني ليس مفيدا لإسرائيل إلى بعد استكمال التطهير العرقي من أجل تأمين إسرائيل من الداخل، وبعدها يمكن التركيز على التهديدات الخارجية.
ولكن بعد الانتهاء من التطهير العرقي أو في مرحلته النهائية، سيكون من المفيد لإسرائيل جرّ الولايات المتحدة إلى صراع مع إيران.
أعتقد أن هذا قد لا يحدث في الأشهر المقبلة، ولكن قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية، لأن أي مرشح لا "يحمي إسرائيل من إيران" سيخسر الانتخابات حتما.
من الممكن أن يتم الانتهاء من هذا المسار في وقت أقصر، ولكن في رأيي أنه من المربح لإسرائيل تمديد العملية وإبقاء حزب الله وإيران خارج اللعبة مؤقتا. إضافة إلى ذلك، ستمارس واشنطن أيضا ضغوطا على إسرائيل، فهي ليست بحاجة إلى جبهة ثانية إلى جانب أوكرانيا.
ولكن، ربما لن تدخل إيران الحرب، وربما تلتزم بضبط النفس، مثل بوتين، وتتسامح مع الاستفزازات الإسرائيلية دون رد، رغم أن الحكومات العربية والإيرانية، بطبيعة الحال، لديها قدرة أقل على تجاهل عواطف الشارع. لكن الفائز في هذه الحرب، هو من سيتمكن من الصمود عندما يسقط الجميع من فرط الإرهاق. سيفوز الأكثر صبرا، لذلك فلا شيء محدد سلفا.