تصبح ثورة أكتوبر بلا ملامح حين ترى كل الأطراف المتعادية ينتظرون مناسبتها ليتحدثوا عنها بشغف، كلا من خندقه ومترسه ووفق ما يخدم وجهة نظره.
على الجميع هنا أن يخطب أو يصدر بيانا أو يكتب تغريدة. لا مكان للصمت أو عدم التفاعل مع الحدث/المناسبة، فالورود جاهزة وووسائل الإعلام والمواقع الإخبارية منتظرة.
جاءت عشية الذكرى فانهالت الخطابات، من المشاط إلى العليمي إلى الزبيدي، فآخرين يضيق الحال بهم دائما طالما وقد جاء في الصدارة هؤلاء، باعتبارهم ثلاثة رؤساء يمثلون مناسبة واحدة.
بالنسبة للمشاط، كرئيس بقصر جمهوري وعاصمة، فإن أهمية ثورة الرابع عشر من أكتوبر قد لا تأتي من كونها طردت محتلا أجنبيا وحررت رقعة واسعة من أرض اليمن بقدرما أن هناك "غزاة وطامعين جددا" يسيطرون الآن على تلك الرقعة نفسها، وبالتالي لا بد أن "نستذكر بكل فخر واعتزاز تضحيات أباة الضيم من آبائنا الكرام الذين رفضوا وصاية الخارج وهيمنة الأجنبي وقاوموا بكل بسالة وثبات صلف المستعمر البريطاني البغيض وكل مرتزقته في ستينيات القرن المنصرم".
فطالما أن هؤلاء "الغزاة والطامعين الجدد" مازالوا هناك، ويقصد المشاط بهم السعودية والإمارات بطبيعة الحال، "فإن ذكرى الرابع عشر من أكتوبر تبدد أحلامهم المريضة وتهبط عليهم في كل عام كصاعقة من السماء لكونها تذكرهم بحتمية الرحيل والمغادرة".
وربما لو لم يكن هناك "غزاة وطامعون جدد" لما كان لثورة الرابع عشر من أكتوبر أن تأخذ هذا الزخم النضالي عند المشاط، ولكان اعتبرها مليئة بالأخطاء والسلبيات تماما كثورة السادس والعشرين من سبتمبر، ولربما كان سيتماهى مع بعض الرؤى لدعاة انفصال هنا وهناك بأنها كانت انقلابا على الشريك البريطاني.
بطبيعة الحال، لم ينس المشاط بهذه المناسبة أن "يهنئ قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي وأبطال القوات المسلحة والأمن وجميع شركاء الموقف الوطني بعيد التحرير"، حيث "ستظل ثورة الرابع عشر من أكتوبر تمنح المناهضين لتحالف العدوان والاحتلال شهادة الوارث الشرعي لهذا اليوم الأغر".
كما لم ينس أن يدعو وينصح "كل من تورطوا في التناقض مع مبادئ وأدبيات ثورة أكتوبر إلى مراجعة أنفسهم وتصحيح مواقفهم وأخذ العبرة ممن سبقوهم إلى نفس المواقف".
ومثلما أن المشاط تحدث في ذكرى الـ14 من أكتوبر عن الغزاة والطامعين الجدد، فإن العليمي كرئيس هو أيضا، بفندق متنقل وعواصم مؤقتة، لكن مع حرصه الشديد على ألا يضع عن يده صك الشرعية الممنوح له من "التحالف"، سينتهز الذكرى نفسها للحديث بدوره عن "الإماميين الجدد"، الذين بحسبه "يستحوذون على مقدرات الدولة، ومؤسساتها التي بنيت على مدى ستين عاما".
وطالما أن العليمي افتتح الخطاب هكذا وبهكذا مناسبة، فإنه لا شك سيدعو "الشعب اليمني إلى مزيد من الاصطفاف الوطني والعمل الجماعي العريض، للخلاص من نير الإماميين الجدد"، معربا عن ثقته "بأن جذوة سبتمبر وأكتوبر ستحرق هؤلاء الاماميين من جديد، لأنهم لا ينتمون اليها، ولأن جيلا مفعما بالأمل والحرية يخبرنا كل يوم بأنه لا يمكن القبول بغير التغيير، وأن مصير القوى المتخلفة التي لا تنتمي لروح هذا العصر سيكون أسوأ من مشاريعها السابقة، رفضا إلى مزبلة التاريخ".
لم ينس العليمي هو أيضا أن يغتنم "هذه المناسبة الوطنية الغالية لإسداء الشكر والعرفان للقوات المسلحة والامن والمقاومة الشعبية، والشهداء الابرار، وشركائنا في تحالف دعم الشرعية، الذين كان لهم جميعاً الفضل في إبقاء راية الوطن خافقة، وردع المشروع الإيراني التوسعي"، مشددا على ضرورة "الوقوف بمسؤولية في مواجهة تعاطي القات الذي يعيث خرابا في بلادنا".
"الرئيس الثالث" عيدروس الزبيدي، والذي ينطبق عليه وصف البردوني (أبدو علي مقلى بدون إمامة وبدون مقلى) سيوجه هو أيضا "خطابا هاما لأبناء الجنوب"، جاء فيه: "أبناء شعبنا الجنوبي العظيم في داخل الوطن وخارجه وقواته المسلحة البطلة...".
بالنسبة للزبيدي فإن ثورة الـ14 من أكتوبر كان لها "دورها الكبير في استنهاض قيم الرفض للوجود الاستعماري، وتعزيز ثقافة الإرادة الوطنية الجنوبية الجامعة والمقاومة لكل مشاريع الهيمنة التي يُراد فرضها على شعبنا وأرضنا"، وبالتالي فإن احتفاءه بهذه المناسبة "الغالية" حسب وصفه، إنما هو لكي "نتذكر بإجلالٍ واعتزازٍ نضالات وتضحيات أبناء شعبنا في عموم محافظات الجنوب، في سبيل انتزاع حريتهم وسيادتهم على أرضهم"، مشيرا إلى أن "ما تحقق من انتصارات على طريق استعادة الدولة الجنوبية، يستحق منا اليوم المزيد من الثبات والصبر والعزيمة، للحفاظ على تلك مكتسبات والإنجازات وحمايتها من المؤامرات والدسائس ومحاولات الالتفاف عليها".
ثلاثة رؤساء يتحدثون كلا على طريقته، ومن مترسه المرسوم بعناية، عن استعمار واحتلال جديدين، في ذكرى ثورة أجمع ثلاثتهم على كونها طردت محتلا بغيضا وحررت شعبا من نير احتلال جاثم، لتضيع في تخندقاتهم تلك الثورة وتصبح بلا ملامح وبلا هوية.