د. سامي عطا
لا ضير في الاحتفال بالمناسبات الدينية والوطنية؛ لكن كيف نحتفل؟! وما نرجوه منها؟! وما المعاني التي ينبغي أن نستلهمها منها؟!
لقد ظل هذا البلد منذ ستة عقود يحتفل بأعياده الوطنية، وفي الوقت نفسه رويدا رويدا تم إفراغ تلك الأعياد من مضمونها السياسي الذي قامت من أجله.
لو أخذنا مناسبة 26 سبتمبر، كلنا يعرف أنها قامت على أهداف ستة؛ لكنها أفرغت من مضمونها، وتحول الاحتفال إلى احتفال سنوي شكلي مناسباتي بلا هدف ولا مضمون سوى استعراض ومخصصات مالية ضخمة تذهب إلى جيوب عتاولة الفساد، بينما الواقع السياسي يظهر ممارسات فاسدة تتناقض مع أهداف تلك المناسبة.
وقس على ذلك احتفال 22 مايو وكذلك 14 أكتوبر. الأول فقد معناه بعد أن تحول بسبب حرب 1994، إلى ضم وإلحاق، وأضحى الجنوب أرض غنيمة وفيد للمنتصر، وأخذ يعبث بحياة الناس ويذيقهم الويلات، وكان المفروض أن هذه المناسبة تعكس معاني التلاحم الوطني والشعبي وتجسد هذه المعاني وتسهم في عملية البناء الروحي والوجداني للشعب... لقد أفرغت عصابة الحكم كل المناسبات من معانيها، حتى 14 أكتوبر يتم التغني بها في الوقت الذي ذهبت فيه السلطة بأحد إجراءاتها إلى إعادة نصب تمثال للملكة البريطانية إليزابيث في حديقة التواهي! هذا الأمر يتناقض مع الاحتفال بهذه المناسبة، لا بل إن البلد بكله صار رهينة قوى النهب العالمي، وعاد الاستعمار من بوابة الاقتصاد.
إن الاحتفال بأي مناسبة يكون بلا معنى إذا لم يكن هناك انعكاس بين جوهر تلك المناسبة وواقع حال المحتفلين بها.
في هذا الشهر نحن مقدمون على ثلاث مناسبات، مناسبتين سياسيتين وطنيتين، والثالثة دينية. الأولى 21 أيلول/ سبتمبر، والثانية 26 سبتمبر، والثالثة المولد النبوي الشريف. إذا لم يتم تصحيح التعامل مع المناسبات بحيث نستلهم منها المعاني والقيم والمبادئ التي تحملها في سلوك وأخلاق القيادات قبل الناس، فإنها ستتحول إلى احتفالات فاقدة للمعنى، ولن تكون إلا احتفالات مناسباتية تخصص لها ميزانيات ولجان تنظيم وتكتنفها مقاولات فساد، وتغدو مناسبات فساد وإفساد ليس إلا!
القيم والمبادئ لا تغرس بالاحتفالات ومهرجاناتها على أهميتها، وإنما تغرس بالاقتداء. الناس تقتدي بالمسؤول النموذج وتتأثر به، وكلما زاد عدد القدوات والنماذج المشرفة أضحى غرس القيم والمبادئ ممكناً.