فيصل أمين أبوراس
بين رسالة الإسلام الجامعة ودعوى الاصطفاء الضيقة:
توقفت مليًّا عند كلام جميل وعميق للعلاّمة المرجع محمد حسين فضل الله الذي يقول : (( هناك اناس يقولون انا الاسلام ، وانا الحق ، وانا الناطق باسم الله .. لا .. انت تخطئ وتصيب ، وانا اخطئ وأصيب ، فلنترافق في رحلة البحث عن الحقيقة.))
رحمة الله تغشى ذلك العالم الجليل والحكيم المتزن، والمفكر الواسع الاطلاع والثقافة.
وإن كان من البطنيين فذلك يشرفه، لكنه لا يميّزه عن غيره؛ لأن التشريف الحقيقي إنما يكون بالعلم والفكر والخلق، لا بالانتماء أو النسب.
فقد رفعه علمه، واتساع أفقه، وإيمانه برسالة الإسلام الجامعة التي تأبى أن تُختزل في سلالة أو بطن، أو أن تتحول إلى دعوى إلهية تمزّق الأمة وتخالف روح الدين ومقاصده السامية.
كم هو مؤلم أن نرى اليوم جماعة تُستَحضَر من أعماق التاريخ، كان المأمول منها أن تندمج في المجتمع لا أن تُفرّقه، أن تساهم في وحدته ونهضته لا أن تتمادى في تمزيقه، فإذا بها تُعيدنا إلى الوراء، إلى زمن كانت فيه البطون تتنازع النفوذ، والشعب هو من يدفع الثمن.
لقد كنا نرجو أن تتوحّد البطون لا أن تتصارع، وأن يعلو شأن الوطن لا شأن الفئة، وأن يحيى الجميع في مستوى كريم من العزة والكرامة والمواطنة المتساوية. وما أصفه ليس افتراءً، بل هو واقعٌ معاش، تردده المنابر في كل صلاة، ويكرره الخطباء في كل جمعة.
ومن وحي تلك الخطب صيغت موجهات الوظيفة العامة في الخدمة المدنية، وعلى نهجها تتحرك هيئة الزكاة، وتسير الأوقاف، وتُدار شؤون الأراضي والعقارات، بل وأُقيمت لها الدورات الثقافية والمخيمات الصيفية للمبايعة بالولاية.
وتحوّل الإعلام الرسمي إلى منبرٍ دعائي لتلك الفكرة؛ فالمناهج الدراسية، والاحتفالات الدينية، والفضائيات، والإذاعات، ووكالة سبأ، كلها صارت تُكرّس فكرًا واحدًا، وتُمجّد جماعة بعينها، وتُخصّص لهذا التوجه موارد الدولة، حتى بات الإعلام يصدح صباح مساء بـ“حقٍّ مزعوم ووعدٍ موهوم”.
إنها قلةٌ من قلة تدّعي لنفسها حقًا إلهيًا لم يُنزِّل الله به سلطانًا، وتزعم أنها وحدها الإسلام، وأنها الناطقة باسم الله والقرآن، في حين أن الأمة كلها، بكل بطونها ومذاهبها، قد خرجت من تحت عباءة هذا الغلو المظلم، رافضةً أن يُحتكر الدين أو يُختزل الوطن في سلالة.
كلمة أخيرة:
إن اليمن لا يُبنى بالأنساب ولا تُصان كرامته بالشعارات، بل بالعقل، والعدل، والمواطنة المتساوية، وبإحياء روح الإسلام التي جعلت التفاضل بالعمل لا بالدم، وبالحق لا بالهوى.
ولْيَعلم كل من تسوّل له نفسه احتكار الدين أو الوطن، أن الشعب الذي وعى دروس الماضي لن يسمح بتكرار مآسيه، ولن يرضى أن يُقاد باسم الله إلى عبودية الإنسان.