من أعلى راتب رئيس دولة في العالم إلى شركات باطن وظاهر فصفقات فساد فنفقات مهووسة تفصح عنها من حين لآخر وثيقة أو توجيه خطي. لا شيء يبدو منطقيا مع شخصية زئبقية بحجم رشاد العليمي. ففي الوقت الذي يعيش فيه وطنه حالة حرب وتشظ وخراب على كافة المستويات، يظهر الرجل في حالة من الانفصال مع واقعه، حيث الصرفيات المهولة والرحلات التي قد تعادل الرحلات الفضائية من حيث النفقات. يحرص على الظهور بكامل أبهته كسلطان بروناي.
من مزور عقود وبصائر في طفولته إلى رئيس مجلس قيادة، سيرة حافلة بالتلون، التحاقه بكلية الشرطة في الكويت وانضمامه إلى اتحاد القوى الشعبية (الغطاء للتنظيم الناصري)، ثم فصله من الكلية بسبب تخابره مع جهاز الأمن الوطني الذي كان بقيادة الجلاد محمد خميس، ثم سفره إلى القاهرة لدراسة الماجستير والدكتوراه مع كل من صالح سميع وعبدالقادر قحطان، وانضمامهم إلى جماعة الإخوان المسلمين في مصر، ليعود لصنعاء ويعمل في الدائرة القانونية لوزارة الداخلية ومصلحة الاحوال المدنية، فمديرًا لأمن محافظة تعز، ووزيرا للداخلية، ثم بدأ وجه آخر من الزئبقية في تكوين مجموعة مصالح وارتباطات وشركات في الداخل والخارج.
بدأ كوزير للداخلية ممارسة عمل الاستحواذ وفرض أقاربه، بدءا بابنه محمد رشاد، الذي تم فرضه بالنفوذ والتجنيد والمال الجديد، وابتكار أكبر عملية فساد تشهدها اليمن، حسب تقارير حينها، وذلك عندما أطلق عملية "الانتشار الأمني"، التي أنفقت الدولة بسببها 80 مليار ريال، ونشر 800 سيارة هونداي وزعت على بعض النقاط، وذهاب بقية الأموال لجيوب رشاد وولده، فأنتجت لهما 7 فلل ضخمة في صنعاء وأخرى في عدن وتعز ومبنى الجامعة الماليزية، ومدينة 6 أكتوبر في القاهرة.
ونتيجة لنفوذه في وزارة الداخلية، وزع أولاده في مراكز الدولة الإيرادية الغنية بالإيرادات والاستثمارات، منصبًا نجله عبدالحافظ في النفط كنائب لمدير شركة النفط، لتمكنه من حماية شركات وخدمات النفط التي يملكها، ليشتهر في وقت لاحق، بفساده وفضيحة حساباته في بنما، وفقًا لما كشفه «ويكيليكس» العالمي.
كما كشفت مذكرة صادرة عن وزير النفط عبدالسلام باعبود بصرف 10 ملايين دولار لعبدالحافظ رشاد العليمي، بناءا على توجيهات والده.
وماذا بعد؟
عامان حتى الآن على تولي رشاد العليمي منصبا جديدا، بعد حياة في الظل استمرت لأعوام، لم يضف فيهما إلى سيرته كرئيس سوى المزيد من البدلات الزرقاء والبروتوكولات الخاصة باستقباله وتوديعه في المطارات. وما عدا ذلك لا شيء سوى العمل بشكل حثيث على تردي البلد اقتصاديا واجتماعيا وتشظيه وشرذمته سياسيا وجغرافيا، ومواصلة مراكمة ثروته، حتى أصبح هو الرئيس الوحيد الذي تعاني بلاده من كل الويلات والقادر في نفس الوقت على مراكمة ثروته وامتلاك المزيد من الشركات والأرصدة، دون أن يأبه بوطن ولا بمواطن.
لقد وجد كل من العليمي والتحالف ضالته في الآخر، بحيث لم يعد لأحد أن يخجل من أحد. فلكونه شخصية زئبقية بوسعها أن تتشكل بحسب الإناء، كان هو رجل المرحلة ما بعد هادي بالنسبة للتحالف الذي مازال حريصا كعهده على ألا تقوم لليمن قائمة.
سيستمر العليمي في فساده وإفساده وتدميره لما تبقى من مفهوم الشرعية والدولة والمؤسسات، وتفريطه بكل المقدسات الوطنية، غير آبه سوى بتكديس ثروته من خلال نهب الملايين من العائدات، وعقد الصفقات المشبوهة وبيع الموانئ والجزر، إلى جانب شركات وفلل وعقارات بمليارات الدولارات في الخارج قبل الداخل. وسيسجل التاريخ ذلك يوما ما عند حديثه عن أسوأ فترات اليمن قديما وحديثا.