آزال الجاوي
مشكلة أنصار الله أنهم قرأوا ميكيافيللي من آخر الكتاب؛ فطبّقوا نصائحه بالمقلوب. بدل أن يبدأوا من القاعدة ويتدرجوا نحو القمة، قفزوا إلى نهايات النصائح متجاهلين شروطها الممهّدة.
ومن هنا جاء الخطأ الأشد فداحة: فرض “التسليم والتمكين” قبل إنجاز التحرير والتوحيد. فالتحرير والوحدة الوطنية لا يُصنعان بالغلبة وحدها، بل ببناء تحالفات واسعة، وإدارة دقيقة للتوازنات، وتقديم تنازلات محسوبة لصالح الأولويات الوطنية العليا، لا لمكاسب سلطوية ضيقة وعابرة.
لكن بريق السلطة وشهوة الحكم دفعهم إلى التنازل عن أجزاء من الوطن والسيادة، مقابل التشبث بفتات من سلطة مطلقة تختزلها كلمة “التسليم”. وهنا يكمن الخلل الأكبر الذي يحول دون بلوغ أحد الحسنيين: نصر حاسم أو مصالحة وطنية صادقة. ومن هنا أيضاً يمكن تفسير القرارات المرتبكة، من قبول هدنة كان يمكن تحسين شروطها، إلى إدارة الملفات الوطنية بعقلية صفقة سلطوية لا برؤية مشروع تحرري جامع.
إن “الميكيافيلية المقلوبة” لا تنتج سلطة مستقرة ولا تحريراً ناجزاً، بل مأزقاً دائماً: سلطة هشة بلا سيادة، وأرض ممزقة بلا وحدة، وقوة عسكرية متضخمة تستنزف مواردها ويستنزفها أعداؤها، من دون غطاء سياسي جامع أو شرعية راسخة، فلا يبقى سبيل للبقاء إلا عبر العنف والإكراه المستمر.
المعضلة لم تعد في امتلاك القوة، بل في إدارتها وتوجيهها نحو مشروع وطني جامع. فالقوة بلا رؤية جامعة عبء، والسيطرة بلا سيادة وهم، والتمكين بلا وحدة وصفة لانقسام متجدد.