نايف القانص
السياسة ليست مجرد حرفة تقنية ولا مجرد حساب مصالح بارد، بل هي نتاج لتكوين معرفي متين؛ فالفرد الذي يمتلك خلفية فلسفية يقدر أن يرى ما وراء الظواهر، والفرد الذي يمتلك خلفية سياسية/نظرية يستطيع أن يترجم ذلك إلى سلوك واقعي، في العلاقات الدولية.
ولهذا نرى أن كثيرًا من كبار المفكرين في العلاقات الدولية (مثل مورغنثاو، ووالتز، ودوغين اليوم) كانت خلفياتهم ممتدة في الفلسفة، التاريخ، والعلوم الإنسانية، لا فقط في السياسة بمعناها الضيق.
وبالتالي فشل السياسات في كثير من دول العالم الثالث يعود في جوهره إلى هيمنة جماعات تفتقر إلى أبسط مقومات المعرفة وأدواتها الفكرية والسياسية. ونتيجة لذلك تنزلق هذه الدول إلى صراعات داخلية مزمنة، وانهيارات اقتصادية متتالية، وعزلة شبه تامة عن محيطها الإقليمي والدولي. وكلما اشتدت عليها الضغوط الداخلية وتعاظمت المطالب الشعبية بالإصلاح والتنمية، تلجأ تلك النخب إلى افتعال أزمات داخلية وخارجية لتوظيفها في إدارة الفشل والهروب من استحقاقات الداخل، ويُعدّ اليمن نموذجًا صارخًا لهذه الحالة.