خاص - النقار
مدينة ظمأى والماء على بعد أمتار فقط من قدميها، لكن حائطا منيعا يقف في الوسط اسمه سلطتان تتنازعان على النفوذ وتتبادلان الاتهامات. الحديث بطبيعة الحال ليس عن غزة ولا عن معبر رفح، بل عن مدينة يمنية اسمها تعز، شاء القدر أن تجد نفسها محاصرة ومشطورة بمنافذ ومعابر ومدججين يختلفون في كل شيء ويتفقون في تجويع وتعطيش المدينة.
يسمح الواقع الذي تعيشه مدينة غزة على يد جيش الاحتلال الإسرائيلي بشيء من مقارنة مع ما يحدث في تعز على يد "إخوة الصراع والمصير المشترك"، حسب وصف سكان المدينة.
على الجانب الآخر من منفذ الحوبان تصطف عشرات الصهاريج المحملة بالمياه، في انتظار أن تسمح لها سلطة صنعاء بدخول المدينة.
تلك السلطة نفسها كانت قد أعلنت عن مبادرة وصفتها بالإنسانية لإدخال المياه إلى سكان مدينة تعز الذين يتضورون عطشا منذ أكثر من شهرين، في ظل أزمة مياه خانقة وغير مسبوقة تشهدها المدينة.
حضر الجانب الإنساني من قبل سلطة صنعاء، تماما كما قد يحضر بالنسبة للإسرائيليين في معبر رفح، فقامت مشكورة بفتح منفذ الحوبان وسمحت بدخول صهاريج المياه إلى تعز.
وبصرف النظر ما إذا كانت سلطة صنعاء تحاول من خلالها استخدام الصهاريج في حملات دعائية تظهرها كـ"مُغيثة" للسكان، رغم أن المياه في نهاية الأمر مُشتراة على نفقة سكان تعز أنفسهم، لقي الأمر ترحيبا ما على الأقل من قبل السكان المحاصرين.
لكن ما حدث بالأمس هو أن يلطة صنعاء قامت باحتجاز للصهاريج القادمة من مناطق سيطرتها ومنعها من الدخول لعدة ساعات، قبل الإفراج عن عدد منها لاحقًا وبشروط.
بحسب موقع يمن إيكو المقرب من سلطة صنعاء، فقد سارعت الأخيرة إلى نفي "صحة ما تداولته وسائل إعلام محلية محسوبة على الحكومة اليمنية، من أخبار تفيد بأن سلطات صنعاء منعت دخول وايتات الماء من منطقة الحوبان إلى مدينة تعز".
هذا النفي جاء على لسان "مصدر مسؤول فضل عدم ذكر اسمه"، بحسب يمن إيكو، مؤكدا أن سلطة صنعاء "لم تمنع ذلك، وإنما ألزمت جميع أصحاب وايتات المياه بالبيع بسعر محدد يتناسب مع قدرة المواطنين الشرائية، متوعدة من يخالف ذلك بالإيقاف".
وبتفصيل أكثر يذكر الموقع نقلا عن "المصدر المسؤول" أن "سلطات صنعاء اتفقت وأصحاب الوايتات على إدخال المياه من الحوبان إلى مدينة تعز، وبيعها للسكان بأسعار محددة، وعدم المضاربة بها في السوق السوداء، وبناء على الاتفاق بدأ أصحاب الوايتات بإدخال المياه لتغطية حاجة المدينة، لكن بعضهم استغل حاجة الناس، وبدأ يبيع بسعر مخالف للسعر المتفق عليه”، وبالتالي هي فقط "قامت بإيقاف أصحاب الوايتات المخالفين، كإجراء عقابي على تلك المخالفات السعرية والاستغلال المتعمد لحاجة السكان، وعندما التزم أصحاب تلك الوايتات بعدم تكرار المضاربة بالمياه في السوق السوداء، تم السماح لهم باستئناف نشاطهم".
لكن هذا التبرير من قبل سلطة صنعاء قد لا يرى فيه سكان مدينة تعز إلا كما يرى سكان مدينة غزة في التبريرات الإسرائيلية بخشيتها من قيام سلطة الأمر الواقع في غزة بسرقة المساعدات. ولهم الحق في تلك المقارنة، على الأقل في كون سلطة صنعاء هي التي تسببت بجزء كبير من أزمة المياه التي تعيشها تعز من خلال منعها ضخ المياه من الأحواض المائية التابعة للمؤسسة العامة للمياه من حقول حوجلة وحيْمة، ومن الأحواض المائية الأخرى، ثم تأتي لتتحدث عن حرصها الشديد على معاقبة سائقي الوايتات وإلزامهم بـ"بيع المياه بسعر محدد يتناسب مع قدرة المواطنين الشرائية".