• الساعة الآن 08:04 AM
  • 21℃ صنعاء, اليمن
  • -18℃ صنعاء, اليمن

عدن التي لا نعرفها

news-details

‏‎

فتحي بن لزرق

غادرت صابرين جلال عدن، وهي التي لم تغادرها حين كانت القذائف تمطر أركانها وتهدد نبضها من كل جانب. صمدت في وجه الحرب، لكنها انكسرت أمام ضيق الحياة في زمن السلم، حين صار الوجع بلا صوت، والموت بطيئا، والخوف يولد من عيون رفاق دربها.
وقبلها بأيام، رأيت الممثل صالح الحسني يفر الى صنعاء، بعد ان اعتقل لانه عبر عن وجع الناس، وانتقد انقطاع الكهرباء، لا اكثر. لم يحمل سلاحا، لم يحرض، بل نطق بما يعانيه الملايين... فصار خصما يلاحق.
ثمة حقيقة لا بد أن تقال، بعيدا عن الخوف والمجاملة: هذه المدينة تنزف أبناءها بصمت، وتتساقط أسماؤهم من دفتر ذاكرتها كما تتساقط أوراق الخريف عن شجرة أكلها الحنين.
سر في شوارع الفيصل بالقاهرة، حدق في الوجوه العابرة، ستعرف أن عدن هناك، بكل الوانها بلهجتها وحنينها. أبناء عدن هم اول من دفعتهم ظروف مابعد 2015 الى الرحيل، قسرا لا طوعا، وكأنها لم تعد تتسع لأبنائها الأصليين.
هذه عدن لم تعد كما عهدناها، والوطن لم يعد هو الوطن. بات الكلام خيانة، والصمت انكسار، والتفكير في الغد تهمة. الخوف صار صديقا دائما، والأمل صار رفاهية لا يملكها أحد.
غادرت صابرين، وغيرها كثيرون، ضمن نزف طويل عانته عدن منذ 2015، نزف شمل مئات من أبنائها الذين وجدوا في الرحيل وطنا بديلا، بعد أن ضاقت بهم مدينتهم الأم، أو اختاروا البقاء على مضض في مكان صاروا فيه غرباء بلا ملامح، بلا هوية، كانهم لم يولدوا فيها يوما.
عدن لم تعد للجميع كما كانت والوطن لهم بكل أبنائه، بل صارت حكرا على فئة ترى فيها إرثا خاصا لا يشاركهم فيه أحد. ولكي تعيش وتعتاش، عليك ان تكون من طينتهم، تشبههم في الولاء، وتسبح بحمدهم، أو تتوارى في الزوايا كأنك عابر سبيل.
كثيرون، مثل صابرين، يفكرون الان في الرحيل، ليس هربا من الغلاء والمعاناة فقط، بل من شعور قاتل بأنك مواطن من الدرجة الثالثة أو الرابعة... بانك عالة في مدينتك، دخيل في حارتك، متهم بمجرد أنك لا تصفق.
رفقا بعدن وأبنائها يا هؤلاء... فالمدن لا تصمد بالقمع، ولا تبنى بالإقصاء. وإن ضاقت عدن بأهلها، فباي أرض يفترض أن تتسع لهم الحياة؟

شارك المقال: