خاص- النقار
بالنسبة لجماعة أنصار الله يجب أن يتصدر كل ما هو صعدي على ما سواه. الأمر ليس منحصرا بتقدم القيادات الصعدية والتجار الصعديين على من سواهم من باقي القيادات والتجار في المناطق الأخرى، وإنما اتخذ بعدا واسعا ليشمل أشياء أخرى: المنتجات الزراعية مثلا.
ظل القات في منطقة الشرفين بمحافظة حجة، بنوعيه الشامي والحرامي، متسيدا المشهد لعقود من الزمن باعتباره أجود أنواع القات في اليمن بلا منازع. ولأنه كذلك فقد أغدق على أصحابه ما لم يكن لبقية المناطق الزارعة للقات أن تفعل مثله، لكن أحدا لم يكن له أن يفكر بمنافستها أو حسدها أو محاربتها أو التضييق عليها، باعتبار أن كل تلك الأمور ستكون نابعة من حسد الناس على أرزاقهم. حتى جاء الجماعة فوجدوا في تسيد قات الشرفين حالة ثراء لا يمت لصعدة بصلة، وبالتالي لا بد من محاربته والتضييق عليه لصالح الثراء الصعدي.
المسألة فعلا هي هكذا، وليست مزاحا أو من باب التندر. فالمشكلة الحاصلة في منطقة الشرفين بمحافظة حجة هي صراع بين قات الشرفين بنوعيه الشامي والحرامي وبين القات الصعدي بنوعه الواحد.
كنبذة تعريفية فإن منطقة الشرفين عبارة عن قضاء يشمل عدة مديريات (الشاهل، المحابشة، المفتاح، كحلان الشرف، أفلح الشام، أفلح اليمن قفل شمر) وتشتهر بزراعة القات الذي يعتبر هو المورد الأساسي لدخل أبناء المنطقة الخصبة وكثيفة السكان. ولأن قات الشرفين هو الأجود من بين أنواع القات الأخرى، كما سبق، فقد كان أكثر بيعه باتجاه حرض وما بعد حرض. والأثرياء من اليمنيين هم فقط من يمكنهم الحصول عليه، أما البقية فيسمعون عنه مجرد سماع، حيث لا يصل شيء منه إلى الأسواق إلا بشكل محدود جدا.
من الناحية الفكرية تمثل الشرفين مركز ثقل زيدي كبير، وتعد من أبرز الحواضن الاجتماعية والفكرية لجماعة أنصار الله، حيث قدمت آلاف الشبان من أبنائها قتلى في الحروب. لكن كل ذاك لم يشفع لها عند الجماعة، فبمجرد أن وصلوا إلى الحكم وأصبحوا هم السلطة حتى كان لهم حديث آخر مع الشرفين وأبناء الشرفين.
بحسب مصادر مطلعة لشبكة النقار فإن التضييق على مزارعي القات في الشرفين بدأ تدريجيا، وكان من البداية يهدف إلى إلحاق أكبر قدر من الضرر بهم، حتى انتهى بفرص ضرائب وجبايات قاسية على زراعة القات والمياه بأضعاف كبيرة مما شكل عبئا قاسياً على المزارعين يحرمهم من تحقيق اي عوائد او ربح ويذهب العائد كله للجماعة خاصة في ظل شحة المياه ومصادرها البعيدة والقليلة.
المصادر أكدت لـ"النقار" أنه قبل قيام سلطة صنعاء بفرض الضرائب الجائرة على مزارعي القات في الشرفين كانت جماعة صعدة تخوض حربا غير معلنة على الحدود ضد قات الشرفين. فباعتبار أن أغلب كميات هذا القات تتجه إلى السعودية عبر التهريب فقد جعلت الجماعة من نفسها حارسا أمينا على امتداد الحدود ومنعت تهريب أي قات يأتي من منطقة الشرفين، وسدت على المهربين كل المنافذ وخصوصا تلك التي في منطقة حرض الحدودية، والتي كانت هي السبيل الوحيد الذي يستطيع من خلاله مزارعو قات الشرفين النفاذ بقاتهم إلى السعودية.
وبحسب المصادر فإن الإجراء لم يكن بغرض محاربة التهريب كما قد يعتقد البعض، وإنما لسد المنافذ على قات الشرفين تكون خالصة للقات الصعدي. ومع ذلك ظلت المسألة طيلة السنوات السابقة بين شد وجذب، حيث تجد تغاضيا لها من الجانب السعودي يسمح لقات الشرفين بعبور الحدود، وإن بكميات محدودة وتكلفة مرتفعة، خلافا لما هي الحال عليه بالنسبة للقات الصعدي.
تجرع مزارعو الشرفين غصتهم بصمت وراحوا يتماشون قدر الإمكان مع الوضع الجديد الذي فرضته الجماعة على الحدود، بالرغم من كل انعكاساته السلبية عليهم وعلى مدخولهم الذي تراجع بشكل كبير. كانوا قد وصولا إلى قناعة بأنها حرب عليهم من قبل أصحاب صعدة ولا شيء آخر. حتى أن المعلومات التي تناهت إلى أسماعهم من لقاء المشاط بالسفير السعودي في القصر الجمهوري بصنعاء وطلبه من الأخير تشديد الوطأة من الجانب السعودي على مهربي القات اعتبروا أن المشاط لا يقصد بطلبه ذاك غيرهم. وبصرف النظر عن صحة مثل ذلك الطلب من عدمه، فإنه من وجهة نظر أصحاب الشرفين غير مستبعد على الإطلاق، فالمشاط أولا وأخيرا من صعدة وصاحب دغسان وغير دغسان من أباطرة التهريب الصعداوي العابر للقارات. ومن يدافع عن تاجر ومهرب سموم مسرطنة، فقط لأنه من صعدة، يمكن له أن يدافع عن كل ما هو صعدي آخر.
يبدو أن هذا الطلب لقي آذانا صاغية من الجانب السعودي، إذا سرعان ما سيتم فرض رقابة شديدة على الحدود قلصت كثيرا من عمليات تهريب قات الشرفين، ما انعكس سلبا على سعره الذي هبط إلى مستويات لم تكن لتحدث في السابق على الإطلاق، حيث الحزمة التي كان يصل سعرها إلى 250 ألفا، أصبح يمكن الحصول عليها بـ25 ألف ريال.
ومع ذلك، لم تكتف الجماعة وسلطتها الحاكمة بذلك المستوى من الحرب الذي فرضته، ولا بما كانت قد فرضته من ضرائب وجبايات على أصحاب الشرفين، بل ستشرع منذ العام 2022 بفرض المزيد من الجبايات والضرائب حتى وصلت 800 ريال على الكيلوغرام الواحد، مقابل خمسين ريالا فقط للكيلوغرام الواحد من القات الصعدي.
هي حرب إذن ضد كل ما ليس صعداويا، وعلى كافة المستويات والأصعدة، من شكل الدولة وسلطتها وحكومتها ومؤسساتها وكوادرها الوظيفية إلى التجارات والامتيازات إلى القات الصعدي. وهي معادلة لم يستطع أبناء الشرفين فهمها من قبل جماعة كانوا أول المدافعين عنها وأكثر الباذلين في سبيل مشروعها أرواحهم وأموالهم، وتكفي نظرة واحدة إلى قوائم القتلى حتى تتبين النسبة المرتفعة لأبناء الشرفين. وكأن لسان حالهم يقول إذا كانت تلك الدماء لم تستطع أن تجعل من الجماعة تساوينا بأصحاب صعدة، فعلى الأقل تكون عادلة في الضرائب، بحيث يتساوى فيها قات الشرفين وقات صعدة على حد سواء.٠