ترجمة
سلطت مجلة "الإيكونوميست" البريطانية، الضوء على فرص بقاء اليمن متماسكاً في ضوء الخلافات بمجلس القيادة الرئاسي المدعوم من المملكة العربية السعودية، مشيرة إلى أن الدول المفككة في الشرق الأوسط ليست نادرة، كالعراق وليبيا وسوريا، لكن اليمن هو الأكثر تفككًا على الإطلاق.
وذكرت المجلة، في تقرير لها، أن اليمن ظهر كخليط من الفصائل المتنافسة على مدى السنوات الماضية، بسبب الحرب الأهلية، وفي العام الماضي جاء وقف لإطلاق النار بين السعودية، التي تدعم حكومة بلا أنياب ولكنها معترف بها دوليا، والمتمردين الحوثيين، الذين يسيطرون على مساحة كبيرة من أراضي اليمن بما في ذلك العاصمة صنعاء، بمثابة مؤشر على تحقيق الاستقرار في البلاد، لكن الحفاظ على تمساك البلاد وتوحدها ظل حبرا على ورق.
فقد مكن وقف إطلاق النار الهش الحوثيين من إحكام قبضتهم على المنطقة الخاضعة لسيطرتهم وأضعف القوات المصطفة ضدهم، بحسب المجلة البريطانية إلى أشارت إلى تنافس 9 فصائل مختلفة على الأقل على السلطة في اليمن.
وأوضحت أن مجلس القيادة الرئاسي، الذي نشأ بدعم سعودي العام الماضي، يزعم أنه الحكومة الشرعية في اليمن، فيما وعد السعوديون تلك الحكومة مؤخرا بمبلغ 1.2 مليار دولار أخرى لإبقائها قادرة على الاستمرار.
وبينما يدعي مجلس القيادة الرئاسي أنه يسيطر على اليمن بأكملها، تصفه "الإيكونوميست" بأنه صاحب "أصغر بصمة" بين جميع الفصائل الساعية إلى السلطة في البلاد، إذ يقتصر دوره على مجرد جناح من القصر الرئاسي في عدن، ثاني أكبر مدينة في اليمن، بالقرب من الطرف الجنوبي للبلاد.
ويعيش معظم أعضاء المجلس في فندق ريتز كارلتون بالرياض، العاصمة السعودية، وغالبا ما يكون ممثلوه الثمانية على خلاف مع بعضهم البعض.
وبعد أن استولى الحوثيون على صنعاء عام 2014، حشدت السعودية والإمارات مجموعة من التحالفات داخل اليمن للقتال، لكن في الآونة الأخيرة انخرطت في تنافس، أدى إلى تفكك تحالفهما في اليمن.
وتؤيد الإمارات انفصال الجنوب تحت ستار المجلس الانتقالي الجنوبي بقيادة الجنرال السابق، عيدروس الزبيدي، رغم أنه عضو في مجلس القيادة الرئاسي، المدعوم من السعودية.
الخصومات الخليجية
وهنا تشير "الإيكونوميست" إلى أن الخصومات الخليجية تشجع الخلافات اليمنية، فالجنوبيون، بقيادة الزبيدي، يرفعون علمًا انفصاليا فوق رقعة شاسعة مما كان يُعرف سابقًا باسم جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية قبل أن تتحد مع الشمال في عام 1990.
وتضع دولة الإمارات نصب عينها على الموانئ وآبار النفط في جنوب اليمن، ورغم أنها سحبت قواتها منذ عام 2019، إلا أنها لا تزال تدعم الزبيدي عسكريًا ولديها قواعد خاصة بها في منطقته.
فيما يسعى السعوديون إلى إحباط طموحات الإمارات من خلال تأجيج الطموحات المحلية ضد أبوظبي، وتشجيع طموحات القبائل اليمنية القديمة ضد دولة الزبيدي الانفصالية المحتملة، كما يأملون في شق ممر بري بين الشمال والجنوب إلى المحيط الهندي.
وفي الأسابيع الأخيرة، أيد السعوديون تشكيل "مجلس وطني" في حضرموت و"تحالف قبائل" في شبوة، على بعد أكثر من 500 كيلومتر شرق مقر الزبيدي في عدن، وذلك بعدما تحولت التوترات بالمنطقة إلى أعمال عنف.
واشتبكت الميليشيات الموالية لمجلس حضرموت في سيئون مع المتظاهرين الذين يدعمون الزبيدي، وتصارع الجانبان للسيطرة على المكلا، وهو ميناء جنوبي آخر، كما تهدد أجزاء أخرى من اليمن بالانفصال.
وبينما ترتبط محافظتا مأرب وتعز بعلاقات وثيقة مع حزب التجمع اليمني للإصلاح، ترغب سلطنة عمان، المجاورة الشرقية لليمن، في جلب محافظة المهرة اليمنية، المتاخمة لها، تحت جناحها، خوفًا من الخسارة أمام دول الخليج الأكثر ثراءً.
ويدعم هذا التشرذم موقف الحوثيين، الذي كانوا، قبل 20 عامًا، عبارة عن عصابة قوية من القبائل الشمالية المتمردة، التي تتبع فرعًا من الإسلام الشيعي، وكان عليهم في كثير من الأحيان الاختباء في الجبال والكهوف من السلطات في صنعاء.
وبأسلحة وتدريب من إيران ووكيلها الشيعي اللبناني، حزب الله، حافظ الحوثيون على صنعاء والساحل الشمالي وصولاً إلى ميناء الحديدة، رغم سنوات من الهجمات اليمنية المضادة، المدعومة من السعودية. ورد الحوثيون على القصف الجوي من قبل السعوديين بهجمات صاروخية وطائرات مسيرة في عمق المملكة، إضافة إلى هجمات أخرى في عمق الإمارات.
ومنذ مارس/آذار 2022 يحاول السعوديون بإغراء الحوثيين مرة أخرى إلى طاولة المفاوضات، فرفعوا حصارهم عن الحديدة، واستأنفوا الرحلات الجوية إلى صنعاء، وأرسلوا وفداً للتفاوض مع الحوثيين دون استشارة مجلس القيادة الرئاسي.
كما سمح السعوديون لقائد حوثي بالسفر مع أتباعه إلى السعودية لأداء فريضة الحج في مكة، واقترحوا دفع رواتب الموظفين الحكوميين تحت إدارة الحوثيين.
بل إن بعض مستشاري المملكة أشاروا إلى أن المسؤولين السعوديين قد يشكلون تحالفا كاملا مع الحوثيين، بعد التقارب بين المملكة وإيران في مارس/آذار الماضي.
النفوذ الحوثي
وتشير "الإيكونوميست"، في هذا الصدد، إلى أن وقف إطلاق النار شجع الحوثيين على مواجهة السعودية، وجعلهم في حالة احتفال بـ "انتصارهم" على أغنى دول المنطقة ويطالبون بتعويضات.
ويصور زعيمهم، عبد الملك الحوثي، نفسه في خطبه على أنه الحاكم الشرعي للأمة، أو العالم الإسلامي، بفضل نسله من النبي محمد. حتى أن بعض الحوثيين يحلمون بغزو مكة والمدينة، أقدس أماكن الإسلام، بدعوى أنهما أجزاء تاريخية من اليمن.
وعندما وصل وفد سعودي إلى صنعاء، في أبريل/نيسان الماضي، استهزأ قياديون حوثيون به، باعتباره معتديا وليس صانع سلام، وهو ما علق عليه الباحث بمركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، عبد الغني الإرياني، قائلا: "لقد استسلم السعوديون لمعظم مطالب الحوثيين السخيفة ولم يحصلوا على شيء في المقابل".
ومنذ وقف إطلاق النار، عزز الحوثيون أيديولوجيتهم في مناطق سيطرتهم، سواء من خلال حظر فرض الفوائد الربوية، أو عبر نشر نفوذهم في أماكن أخرى.
وما إن رفع السعوديون حصارهم عن الحديدة حتى هاجم الحوثيون عدن وأعلنوا مقاطعة أي بضائع مستوردة من الجنوب.
وفي أواخر العام الماضي، هاجم الحوثيون منشآت النفط في الجنوب اليمنين وفي الآونة الأخيرة حشدوا قواتهم حول مدينة تعز، وهي معقل تسيطر عليه الحكومة المعترف بها دوليًا، والتي كانت ذات يوم القاعدة الصناعية في اليمن.
ويخشى عديد اليمنيين من سقوط الحكومة الرسمية، ففي حين أن السعوديين يعدون بمنح الحوثيين الأموال، فقد قطع الحوثيون أي تمويل عن حلفائهم اليمنيين، كما حرموا الجنوب من عائدات النفط والجمارك، ما زاد من تآكل القاعدة الاقتصادية للحكومة.
والريال في الجنوب اليمني يساوي نحو ثلث قيمته في الشمال الذي يسيطر عليه الحوثيون، ولذا يعتقد علي البخيتي، المتحدث السابق باسم الحوثيين، المنفي الآن في بريطانيا، أن اليمن قد تعود إلى الظهور كدولة واحدة "يلتهمها الحوثيون بشكل كامل".