النقار - خاص
كشفت سبعة أشهر من عمر حكومة الرهوي عن تخبط في الأداء وتداخل في المهام، وتضارب في الاختصاصات، وهي نتيجة طبيعية لعملية الدمج وإعادة الهيكلة غير المدروسة لتشكيلة الحكومة.
ووصلت اللجنة العليا لتنفيذ عملية الدمج وتحديث الهياكل، ولجانها الفرعية في الوزارات إلى طريق مسدود، بسبب تضارب القوانين الصادرة لإعادة هيكلة الوزارات، ما خلق إشكاليات فنية وإدارية صعّبت من عمل اللجنة ولجانها الفرعية.
وأفاد “النقار” مصدر مطلع أن بعض الوزارات صارت غير قادرة على أداء مهامها، بسبب جمع بعضها قطاعات غير متجانسة، وأخرى تواجه إشكاليات قانونية وتنازع صلاحيات نتيجة تشتيت القطاعات بين أكثر من وزارة.
وتعد وزارات النقل والأشغال، والتربية والتعليم والبحث العلمي، والإدارة والتنمية المحلية والريفية، والصحة والبيئة، والزراعة والثروة السمكية والموارد المائية من أبرز الوزارات التي تعاني إشكاليات فنية وإدارية وقانونية واختلالات في الأداء بسبب التغييرات غير المدروسة التي طرأت عليها.
وكشفت لـ”النقار” مصادر على اطلاع واسع على عمل لجنة الدمج أن قانون دعم فاتورة المرتبات عقد من الإشكاليات التي تواجهها اللجنة، بسبب تقسيم الموظفين إلى فئات في إطار الوزارة الواحدة، كما هو الحال في وزارة التربية والتعليم، الموزع موظفوها بين الفئة “ب” والفئة “ج”، ما أضاف إشكالية جديدة إلى جانب إشكالية اختلاف الأجور بين موظفي الوزارة التي دُمجت فيها ثلاث وزارات، أجور موظفيها متباينة.
يقول مصدر ذو خبرة واسعة بالتنظيم الإداري للجهاز الإداري للدولة إن عملية الدمج وإعادة هيكلة الوزارات تمت بدون رؤية تنظيمية، مبينًا لـ”النقار” أن العملية صُممت لتفصيل الهيكل الإداري للدولة على مقاس الجماعة، وتقاسم الوظيفة العامة بين مراكز القوى داخلها، وبناء على ذلك اتجه كل مركز لفرض عناصره في الوزارات التي صارت تحت سيطرته، ما خلق إشكاليات فنية وإدارية ومالية، جعل لجنة الدمج تقرر وقف التعيين والتوظيف، لكن القرار لم يتم الالتزام به، وجرى التحايل عليه بالتوظيف تحت مسمى متعاونين، تُصرف لهم مبالغ من إيرادات الجهة التي يعملون بها، ما أوجد خلافات بين بعض الجهات ووزارة المالية عند مطالبة الأخيرة بتوريد حصتها لدعم فاتورة المرتبات.
ونتيجة للإشكاليات التي خلقتها عملية الدمج وإعادة الهيكلة غير المدروسة، صارت حكومة الرهوي تتقاذفها ثلاثة مراكز قوى، موزعة بين مكتب رئاسة الوزراء، الذي يستمد نفوذه من سلطة أعلى مرتبطة بمكتب الرئاسة، ووزراء موزعين بين مركزي نفوذ يتصارعان على تسيير عمل الحكومة وفق أجندة خاصة بهما.
وتعد حالة التضارب بين رئيس الوزراء ومكتب رئاسة الوزراء المستحدث، واحدة من أبرز إشكاليات حكومة الرهوي، بسبب المهام والمسؤوليات التي ينص عليها قانون مجلس الوزراء، وقانون إنشاء مكتب رئاسة الوزراء، والأخير صار حكومة مصغرة تمارس الهيمنة على صلاحيات الوزراء وحتى رئيس الوزراء، ما جعل الحكومة تتجه لتقديم مشروع قرار جديد لمجلس الوزراء، غير أن البرلمان أعاده للحكومة لتضاربه مع مواد دستورية وقوانين نافذة.
وتفيد معلومات حصل عليها “النقار” من مصادر عديدة أن لجنة مشتركة من مكتب زعيم الجماعة ومكتب الرئاسة والحكومة أوقفت عملية الدمج حتى تصل لجنة الدمج إلى رؤية تنفيذية، واقترحت إعادة بعض الوزارات إلى ما كانت عليه في حكومة بن حبتور، من أبرزها وزارة النقل والأشغال، ووزارات التعليم، وعدم المساس باستقلالية كثير من الوحدات المستقلة، غير أن نافذين يضغطون باتجاه إقالة بعض الوزراء مقابل تمرير المقترح، بمزاعم ظاهرها الفشل، وباطنها إعادة توزيع الحصص.
ومن كل ذلك يتضح أن عمليات تجريف المنظومة القانونية والعبث بالتنظيم الهيكلي للجهاز الإداري للدولة لم تكن وفق مقتضيات أفرزها الواقع العملي، وإنما لتحقيق رغبات استحواذ وسيطرة، وتحويل الجهاز الإداري للدولة من وسيلة لخدمة المجتمع إلى غاية تحقق رغبة الجماعة في السيطرة على مفاصل مختلف المؤسسات، وبما يحولها إلى نقاط جباية من الشعب، بدلًا من نوافذ خدمة للمواطن.
ونتيجة لذلك فإن حكومة الرهوي ستظل غارقة في مشاكلها، وكلما تجاوزت مشكلة خُلقت مشكلات، لأن عملية التنظيم والتطوير الإداري هي في الأساس عملية تتوسع ولا تضيق، ولن تستطيع حكومة الرهوي ومن خلفها جماعة الحوثي تجاوز مشكلاتها الإدارية والفنية والمالية والتنظيمية إلا بالتراجع عن كل التجريف الذي حصل للهيكل الإداري للدولة، ولن يتم ذلك إلا حين يدرك أصحاب القرار أن التنظيم والتطوير والإصلاح عملية تراكمية، يبدأ فيها الخلف من حيث انتهى السلف. ولكن هل يمكن لفاقد الشيء أن يدرك..؟! يمكن له ذلك حين يعطي الخبز لخبازه.