• الساعة الآن 02:57 AM
  • 14℃ صنعاء, اليمن
  • -18℃ صنعاء, اليمن

“قضاة الصلح”.. أداة للهيمنة على القضاء والاستحواذ على المال

news-details

 

 

النقار – خاص

أعلنت سلطة صنعاء مؤخرا عن استحداث منصب “قضاة الصلح”، في خطوة تثير الجدل حول أهدافها الحقيقية، خاصة مع توجهها لتوزيع هؤلاء القضاة على المحاكم الابتدائية في مناطق سيطرتها عقب الإجازة القضائية المقبلة.

 

تعيينات دون معايير واضحة

كشف مصدر قضائي لـ”النقار” أن تعيين قضاة الصلح تم دون أي مفاضلة، بل جاء بقرار مباشر من لجنة شكلت بتوجيهات عليا. وأوضح المصدر أن غالبية من تم اختيارهم هم من خريجي المعاهد والكليات الدينية التي أنشأتها الجماعة، إضافة إلى وكلاء شريعة وأعضاء سابقين في لجان الإنصاف التابعة لها، مع عدد محدود من القضاة الجدد.

يستند هذا التوجه إلى تعديل أجرته سلطة صنعاء على قانون السلطة القضائية رقم (1) لسنة 1991، حيث تم إقرار التعديل من قبل مجلس النواب التابع للجماعة في 12 سبتمبر 2024، ليتم تمريره لاحقا كقانون صادر عن المجلس السياسي الأعلى.

 

تدريب مغلق وإقصاء للكفاءات

بحسب معلومات حصل عليها “النقار”، نظمت الجماعة دورة تدريبية مطلع شهر رجب في صنعاء لحوالي 60 شخصا ممن أطلقت عليهم “قضاة الصلح”، حيث ألقى المحاضرات قيادات معنية بملف العدل والأوقاف، بينهم قضاة ومحامون ودعاة.

ورغم بدء هذه الدورة، لم يعلن مجلس القضاء الأعلى حتى الآن عن أي معايير أو ضوابط رسمية لاختيار قضاة الصلح، ما يثير التساؤلات حول شفافية الإجراءات.

يعلق عبد الغني المعافا قائلا: “ما هو مصير اللجنة الخاصة باختيار قضاة الصلح؟ ولماذا لم يُفتح باب التقديم للراغبين؟ هل تُرك الأمر لاختيار المقربين فقط؟”، مشيرا إلى أن هؤلاء القضاة في طريقهم للتخرج دون أي إعلان رسمي عن آلية تعيينهم.

 

توزيع وفق أولويات الجماعة

أفاد مصدران مطلعان لـ”النقار” بأن الدفعة الأولى من قضاة الصلح سيتم توزيعها على محاكم أمانة العاصمة ومحافظة صنعاء، فيما كشف أحدهما أن التوزيع سيتركز على المحاكم التي تعاني من تراكم القضايا، بما في ذلك محافظة الحديدة.

وفي حين يرجح البعض أن يكون هذا التوجه مقدمة لتوسيع نطاق التعيينات لاحقا، استبعد قاضٍ - فضّل عدم الكشف عن اسمه - أن يتم تعيين قضاة صلح مستقبلا من بين الكوادر القضائية العاملة حاليا، مؤكدا لـ”النقار” أن الهدف الرئيسي من هذه الخطوة هو إحكام السيطرة على القضاء بعد تعديل قانون السلطة القضائية.

وأشار القاضي ذاته إلى أن الجماعة تسعى عبر “قضاة الصلح” إلى تقليص دور القضاة الحاليين في توجيه المتخاصمين نحو الحلول الودية، كما أن هناك بعدا ماليا واضحا يتمثل في تحصيل أتعاب صلح، لا سيما في القضايا التجارية، وهو ما يضع القضاة الحاليين تحت ضغط اقتصادي متزايد.

 

تفكيك الأعراف القبلية ومصادرة النفوذ

يرى مصدر قانوني أن اختيار قضاة الصلح يجب أن يتم وفق معايير محددة، تشمل الخبرة في التحكيم والإلمام القانوني، لضمان تسوية القضايا بسرعة وكفاءة، دون أن يتحول الصلح إلى أداة للمماطلة وإطالة أمد النزاعات.

لكن مصدرا آخر، مطلعا على قضايا الصلح، أكد لـ”النقار” أن تعيين هؤلاء القضاة دون معايير واضحة يشير إلى وجود نية لسحب البساط تدريجيا من تحت أقدام المشايخ والخبراء بالأعراف القبلية الذين كانوا يتولون حل النزاعات، مما يعني حرمانهم من العوائد المالية التي كانوا يحصلون عليها من عمليات الصلح.

 

خطر يهدد استقلال القضاء

إن تعيين “قضاة الصلح” دون مؤهلات قانونية حقيقية يمثل تهديدا جوهريا لأسس العدالة، إذ أن إسناد الفصل في النزاعات إلى أشخاص لم يمروا بالمسار القضائي التقليدي يفتح الباب أمام أحكام غير نزيهة، ويضعف ثقة المجتمع بالقضاء.

هذه الخطوة لا تقتصر على إحكام السيطرة على المؤسسة القضائية، بل تحمل تداعيات خطيرة على النظام القانوني برمته، إذ أن هؤلاء القضاة، غير الخاضعين لأي تقاليد قانونية تحمي استقلاليتهم، سيكونون عرضة للاستمالة عبر الإغراء أو التهديد، مما يجعل القضاء أداة لتنفيذ أجندات معينة، ويفتح الباب لمزيد من الظلم والانتهاكات لحقوق الأفراد.

شارك الخبر: