• الساعة الآن 10:04 PM
  • 20℃ صنعاء, اليمن
  • -18℃ صنعاء, اليمن

لحظات التاريخ الاكثر عاطفية مضرة للغاية عندما يقرأها السياسي ويبني عليها وجوده

news-details

 

محمود ياسين 

 

كان الحسين رجلا عظيما وقتل مظلوما وقصة مقتله مبكية وتتضمن أنماطا من الخسة والوحشية حد انه وصل مرحلة الخوف ليس على حياته ولكن على عرضه فصرخ فيهم : إن لم يكن من دين يردكم فتحلوا بأخلاق العرب ولا تقتربوا من حرمي .

وكانت أيامها فاجعة حقا وبمعايير وبواعث الانحياز العاطفي حتى ، إذ تم قتل حفيد النبي ايامها وكان عندما يقول : جدي رسول الله فهو جده والد والدته وكان يصلي بالناس وحفيده على ظهره وكيف تتجاسر على قتل حفيد النبي وتشريد حرمه ؟ اما بعدها وبعد قرون فنحن وبني إسرائيل جدنا واحد وهو ابراهيم ، ثم ان هذا لم يعد منطقيا ذلك ان جد البشرية كلها واحد ويجدر بك البناء لوجودك على إمكاناتك الآن وليس على ما ترثه من الماضي وتعيد انتاجه وفقا لحاجاتك كجماعة وليست حاجات بلد امسى معظمها في نطاق سلطتك ،، تتحدث هكذا وانت تحكم شوافع وزيود ، والأكثر خطورة انك بهذا الخطاب والاحتشاد تحاول نقلنا من الثنائية اللامضرة " شوافع وزيود " إلى الثنائية الخطرة للغاية " شيعة وسنة " .

هناك أمر جوهري في استعادة لحظة كهذه وهو أن من يتحدثون بإسم مظلمة الحسين الآن لم يتمكنوا حتى من جعلنا نحزن ، يتحدثون عن لحظة مأساوية بنبرة القتلة الذين اقدموا على نلك الفعلة ، يندبون الحسين بنبرة عبيد الله بن زياد ويهزون أمام وجوهنا سيف شمر بن ذي الجوشن الذي جز رأس الحسين .

والأكثر خطورة هو ان الفعالية الرثائية في اليمن أخذت شكل انفعال ثأري وكأن كل منا بالنسبة لهم يزيد .

قصة الحسين انسانية محضة ولا تتضمن أي حامل او جذر طائفي او مذهبي حتى ، وتقوم باستدعاء حشرجة رجل عظيم قتل عاطشا ومغدورا ونبيلا وشجاعا حتى وهو يلفظ انفاسه الأخيرة لتؤسس بها عملية فرز طائفي مذهبي وتبني عليها مدماكا آخر لما تعتبره حقك في سلطة اخذتها بخشم البندق وليس بدم مظلوم تفصلنا عنه حقب وقرون وحتى حدودا جغرافية ، وإن أدنت البشر فهم بشر العراق ودمشق وجغرافيا كربلاء والكوفة وكثبان شمال الجزيرة ، اما نحن فلم نكن معنيين البتة بذلك الماضي ولم نكن شركاء فيه ليتم الزج بنا في أتونه وكأنه على اليمنيين وحدهم ان يدفعوا ثمن كربلاء ويتجرعون عاقبتها .

بكيت اليوم مرتين ، الاولى وأنا اسمع حشرجات الحسين تأتي من غياهب الماضي والثانية وانا اسمع وعيد واعظ يقايظ حياتي بموت الحسين الآن ، تمتد أمامه كثبان اليمن الملائمة لحياة وفرصة حياة جديدة لكنه يهدرها بانفعال موت قديم حزين ومأساوي لكنه لا يخصني الآن ولا يخصه .

حتى الناقد لفعالية كهذه يتخذ موقع الشريك في جريمة لم يقترفها متحدثا عن المظلوم الحسين وكأنه مشرف سقط مضرجا اثناء عملية سطو واستقواء .

كم احسد المصريين والجزائريين وغيرهم وهم يستدعون حكايا التاريخ باسترخاء متخففين من ثقل الاستقطاب .

وتظل المسؤولية في هذا العك والصخب الإحيائي مسؤوليتك انت اولا بوصفك سلطة بدلا من الانصراف لبناء الحاضر وطمأنته راحت تستحث كل مخاوف ومواجهات التاريخ ، مخاولة عطف الحاضر على الماضي لتسوية الحساب . 

أمامك جغرافيا اليمن تدفق في تضاريسها مسؤولية ورحمة وإخاء ، فلا تحدق في تفاصيلها بفؤاد تاريخي مكلوم لا سبيل لشفاء حزنه ، وضمن سياق ثنائي لصوت يخفق في تقمص حشرجة الحسين ويتمكن تماما من تقمص وعيد يزيد . 

حكاية الحسين ، مروية هي إرث حصري للأدباء والشعراء والعاطفيين والراوة المتجولين ، اللحظات الانسانية الصافية عندما يستحوذ عليها السياسي هنا وهناك فإنه يحيل الضحية جلادا ، إما ان يسخر من حكاية رجل عظيم مغدور على سبيل النكاية بصخب الفعالية والرد عليها وفي سياق تخندق مضاد ، او يتخذ من الحكاية المأساوية مروية استقواء ومنطق غلبة . 

جلال اللحظة تلك وان استدعيتها فليكن بمايليق بها من حزن وتحيز انساني لفكرة المظلوم الذي جسده الحسين ، وليس للوعيد وبناء سياق تحيز طائفي يضر بك وببلد لم تكن هناك في الماضي وليس من العقل ولا المنطق ان تزج بحاضرها هناك لتدفع وحدها الثمن الفادح لفكرة الجغرافيا البديلة التي تفصل لها تاريخا بديلا وتستدعي من " الفتنة الكبرى " فتنة اكبر من طاقتنا على الاحتمال .

شارك المقال: