فتحت الصفحة للتو على رسالة نصها (مساء الخير يا قاضي كيف حالك؟ معك محمد صديقك زنزانة 24)
رديت عليه: ارحب ميات ما حنت المذريات اهلا برفيقي العزيز بالزنزانة الانفرادية..
لازال صوتك الجهوري يرن في اذني وانت تنادي اصدقاءك الذين سجنت معهم بنفس التهمة كل يوم عدة مرات بأعلى صوت "يا الله" وهم يردون عليك بصوت واحد مرتفع "يا الله" كانوا تقريبا اربعة
من محافظة عمران بزنازن انفرادية بسكة اخرى مجاورة لنا ليست ببعيدة.
وكنت رجلا حيويا مرحا مشاغبا وتشغل المستلمين يأتون لك بولاعة تدخن السيجار ، وقلت لي انك مسجون قبلي بشهر..
لم تجاورني سوى مدة اسبوع واحد ثم نقلوك ،او افرجوا عنك لاادري، كنت اول من شرح لي قواعد الزنازن الانفرادية ونصحتني بتناول الاكل بعد ان قررت ثاني يوم الاضراب عن الطعام ،فرديت بسخرية ياقاضي اينك عايش لسنا بسويسرا كل ستموت والله ماحد داري اين خريتنا الكلاب..
ندمت ندما شديدا عندما اختفيت فجأة ولم اؤكد لك تروح الى بيتي تطمئن اولادي رغم اني كنت قد وصفت لك عنوان بيتي ..
كانت الزنزانة ٢٤ المجاورة لي مبروكة ما يسجنوا جنبي سوى اسبوع وينقلوا اتى بعدك سجين من حق المهدي المنتظر ،ظل عشرة ايام فقط ولاندري افرج عنه او نقلوه ،قلت له ماتهمتك قال الايمان بالمهدي فضحكت ،قلت له تيه تهمة تطيب النفس حالية، ماكلفك الله تدخل زنزانة انفرادية بسبب التشعوبة بالمهدي ،اينهو حقكم المهدي قال كان بالهند وبعدها نقل بريطانيا ،ونتابعه وامنا به عن طريق التلفزيون ..
كنت استرق معه الاحاديث وكان شاب ثلاثيني طيب عفوي، ومصاب بحالة نفسية قبل دخوله السجن وكان الاطباء متعاطفين معه وياتوا كل ليلة يضربوا له ابرة منومة لا يستطيع النوم ، وينوم بعدها بعمق وانا ساهر اغبطه على النوم العميق وبالصباح يحكي لي انه يحلم انه يطير بالسماء ،قلت له اريد حبوب او ابر من حقك كي انام بعمق واحلم انني اطير بالسماء احلامي كوابيس ،ونومي قليل ،قال لاتصرف الا بوصفة طبية للمرضى النفسيين ، وذات ليلة قلت له اظن ان سبب اصابتك بحالة نفسية هو انك لم تتزوج بمن كنت تحبها ،فرد عليا اي والله انك فهمتني هو هذا السبب ايش عرفك ياهمداني قلت له حدست ذلك بحكم اطلاعي المتواضع بعلم النفس ،فشرح لي باسهاب قصة حبه الفاشل ،وكأنني وضعت يدي على الجرح ،واضاف ان حبيبته خانته وتزوجت بغيره لانه كان ثري ،وهو فقير ،واصيب بحالة اكتئاب مزمن واعتزل الناس والحياة وانه يتعاطى القات ليلا ونهارا ،حتى ظنوا اهله انه قد فقد عقله وجن ،ثم تعالج لدى اطباء نفسيين منعوه من تعاطي القات و عوضه الله بزوجة وفية اصيلة جميلة طيبة من صنعاء القديمة، اجمل ممن احبها ،وانجب منها طفلة عمرها سنتين ،كان يشتاق لها ولامها شوق جارف وانا اواسية واستمع الى احاديثه العفوية و تفاصيل حكاياته...
واوصاني اذا خرجت قبله ان اتصل بااهله واطمنهم عليه اعطاني رقمهم فااخذه مني مدير الاصلاحية قبل الافراج عني بنص ساعة مع خمس اوراق كتبت بها بعض ذكرياتي بالزنزانة الانفرادية، وصادروها الى اللحظة..
ولكنه خرج فجأة وتم نقله من جواري من زنزانة ٢٤ ولا ادري ما هي أخباره ..