في عام 1998 ، وبينما كان المنتصرون في حرب وأد الوحدة السلمية في 1994 ، في كامل نشوتهم وغرورهم بالنصر الذي يساوي الهزيمة من حيث نتائجة ، وكانوا مؤمنين ايمانا مطلقا بأن وحدة اليمن راسخة رسوخ الجبال وستبقى كذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، كتب باحث فرنسي هو باسكال بونيفيس ( مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس ) موضوعا نشر في مجلة فصلية أمريكية في خريف العام ذاته ، ثم صدر باللغة العربية في مجلة ( الثقافة العالمية ) الكويتية ، العدد ( 95 ) يونيو - أغسطس 1999 ، تحت عنوان ( تفتت الدول وعصر التشرنق الاستراتيجي ) وشغل الصفحات 6 - 21 .
أعتبر الباحث أن عملية تشرذم الدول تجري في جميع مناطق العالم ، وأن من الممكن الحديث عن " عالم مبلقن " ، ولكنه أولى إهتماما كبيرا لتفتت روسيا الذي بدا له حتميا ، وشرح الأسباب ، وكان ذلك في زمن بوريس يلتسين ، وتنبأ بالتفتت لدولتي الصين و اندونيسيا.
أما عن الشرق الأوسط فلم يكتب أكثر من الكلمات الآتية ص 9 :(( وفي الشرق الأوسط ، لن تدوم الوحدة اليمنية إلى أبد الآبدين ، بينما يبدو أن العراق يعيش حالة ما قبل الانفجار ، حيث هناك منطقة سنية حول بغداد ، و منطقة شيعية في الجنوب ، وأخرى كردية في الشمال )) .
أذكر أنني اصطحبت المجلة معي الى الجامعة وعرضت رأي الباحث الفرنسي على بعض الزملاء ممن تربطني بهم علاقة مودة رغم التباين السياسي ، فأجمعت أراءهم على أنه مخرف ومدفوع من دول الخليج أو " إسرائيل " ، أما الوحدة فلا خوف عليها ، وقد وجدت لتبقى الى أبد الآبدين ، وغير ذلك من التهم والعبارات الحماسية .
بقي أن أذكر ، أن الحراك الجنوبي السلمي لم يتكون إلا عام 2007 ، ورغم ذلك ظل أهل السلطة يتجاهلون ما يجري معتمدين على القوة وعلى جيش من الاعلاميين يسعى لتزيين قبح ما يفعلون بألوان فاقعة من الكذب والنفاق .
وهكذا وصلنا إلى ما نحن فيه: وطن مفتت في النفوس قبل أن يتفتت جغرافيا .