تسببت استقالة محمد جواد ظريف من منصبه كنائب للرئيس الإيراني للشؤون الإستراتيجية، في "صدمة" داخل الساحة السياسية الإيرانية، خاصة التيار الإصلاحي.
كما أثارت الاستقالة مخاوف من عودة الاحتجاجات والاضطرابات، حيث كان ظريف المساعد الأقوى للرئيس مسعود بزشكيان خلال حملته الانتخابية، وخلقا معا آمالا بانتعاش هذا التيار مقابل التيار المحافظ الذي يقوده المرشد الأعلى للبلاد، علي خامنئي.
ويعتقد متخصصون في الشؤون الإيرانية في تعليقاتهم لموقع "سكاي نيوز عربية" على هذه الاستقالة المفاجئة، أنها تشير إلى خيبة أمل الإصلاحيين تجاه حكومة مسعود بزشيكان، وتساءل البعض ما إذا كانت الاستقالة تعكس تحول الرئيس الإيراني من شخصية إصلاحية إلى أداة في يد المرشد الأعلى، وما إذا كانت تعكس سيطرة المرشد على الحكومة الجديدة.
واعتبرت وسائل إعلام إيرانية، مثل "صحيفة المشرق"، أن استبعاد المسؤولين ذوي الجنسية المزدوجة، أو من يحمل أبناءهم جنسية مزدوجة من الحكومة، ومنهم ظريف، الذي يحمل أبناؤه الجنسية الأميركية، يشير إلى ضغوط يتعرض لها بزشيكان من مكتب خامنئي.
وكان وقوف ظريف إلى جانب بزشكيان خلال انتخابات يونيو الماضي، والتي كان فيه بزشكيان المرشح الإصلاحي الوحيد، "نقطة تحول ودعم قوي" أمام المرشحين المحافظين الخمسة، وكذلك رسالة للغرب بتغيير في السياسة الخارجية الإيرانية حال فوز بزشكيان، لتكون أكثر مرونة في بعض الملفات الإقليمية والدولية.
ولم يلق التشكيل الحكومي الذي قدمه بزشكيان إلى البرلمان، الأحد، للموافقة عليه، تقبلا من التيار الإصلاحي الذي يمثله، حيث ضم امرأة واحدة، كما ضم عددا من النواب المحافظين من الحكومة السابقة.
ظريف يشكو من "الضغوط"
وفي توضيحه لأسباب استقالته، قال جواد ظريف، الذي تولى وزارة الخارجية من 2013 إلى 2021، في تدوينة على حسابه في موقع "إكس"، الأحد: "أشعر بالخجل لأنني لم أتمكن من تنفيذ رأي الخبراء للجان المسؤولة عن اختيار المرشحين بشكل لائق، وتحقيق إشراك النساء والشباب والمجموعات العرقية كما وعدت".
كذلك أشار إلى أن عددا من الوزراء في التشكيل الجديد الذي ضم 19 وزيرا لم يكونوا من اختياره.
وسبب آخر تحدث عنه ظريف في تدوينة لاحقة نشرها، الإثنين، هو الشكوك التي أُثيرت حوله، لأن أولاده يحملون الجنسية الأميركية، مؤكدا أنه يعيش وأولاده وزوجته في إيران، ويخضع هو لعقوبات أميركية وكندية تجعله لا يستطيع دخول الولايات المتحدة حتى كسائح، وأن هذه الشكوك يمكن أن يشار بها إلى أشخاص مقيمين في الولايات المتحدة.
وبشكل مباشر قال إن الحكومة تتعرض لـ"ضغوط" باستخدام قانون صدر عام 2022 حول تعيين المسؤولين ذوي الجنسية المزدوجة "كذريعة للضغط على الحكومة وتعطيل عملها".
"خيبة أمل"
وعبر التيار الإصلاحي عن استيائه من حكومة بزشكيان، معتبرا أنها لم تلبِّ تطلعاتهم الإصلاحية الكاملة في التغيير، حتى أن بعضهم اعتبر الحكومة الجديدة ما هي إلا امتداد للحكومة في عهد الرئيس المحافظ إبراهيم رئيسي.
وعن ذلك تقول المحللة السياسية الإيرانية، ليلى جمن خواه، إن الحكومة الجديدة واستقالة ظريف أثارا إحباطا وسط الإيرانيين وخيَّبت أمل الشباب الذين دعموا المرشح الإصلاحي على أمل تحسين الأوضاع الاقتصادية وتعزيز الحريات.
وتحذر المحللة الإيرانية من أن يؤجج هذا الإحباط المشاعر السلبية في الشارع، ويسبب تصعيدا جديدا في الاحتجاجات والاضطرابات.
وتستدل خواه على "عدم التغيير" بأن قائمة الوزراء المقترحين، خاصة السياسيين والأمنيين الرئيسيين، ضمت إسماعيل الخطيب، وزير الإعلام الحالي، ليبقى في منصبه "وهو رجل دين متطرف" كان له دور بارز في قمع مظاهرات المرأة والحياة والحرية"، وإسكندر مؤمني، المرشح لوزارة الداخلية "وهو لعب دورًا بارزًا في قمع انتفاضة 2009، ووصف المتظاهرين بالمرتزقة والجهلة، ويدعم بقوة فرض الحجاب".
يتناول المؤرخ والمحلل السياسي الإيراني آرش عزيزي الوضع من زاوية تركز على الخلافات الداخلية؛ حيث يرى أن استقالة ظريف "ليست مجرد حدث سياسي عابر، بل تدل على خلافات عميقة، تكشف عدم التماسك في الإدارة العليا".
ويتوقع عزيزي أن تنعكس هذه الخلافات على أداء الحكومة الجديدة، لافتا بشكل خاص إلى ما يعتبره دورا محتملا لمكتب علي خامنئي في تأجيج أزمة داخل الحكومة.
وعن دوافع خامنئي لذلك التدخل المحتمل، يقول، إن التدخل سواء كان خفيا أو علنيا "يهدف إلى تعزيز سيطرته على الحكومة، أو إخضاعها بالكامل، وإذا تمكن من هذا، قد يواجه بزشيكان صعوبة في حفظ مصداقية الحكومة أمام الشعب والمجتمع الدولي".
ويتفق مع هذا التحليل الخبير في الشأن الإيراني، وجدان عبد الرحمن، معتبرا أن استقالة جواد ظريف "تكشف عن درجة عالية من السيطرة التي يمارسها مكتب المرشد الأعلى علي خامنئي والحرس الثوري على الحكومة"، متوقعا أيضا أن يؤثر هذا على استقلال الحكومة القادمة.