• الساعة الآن 11:10 PM
  • 16℃ صنعاء, اليمن
  • -18℃ صنعاء, اليمن

مخابرات صنعاء.. اعتقالات بدون تهمة وإفراج بلا محاكمة

news-details

احتاج القاضي عبد الوهاب قطران إلى خمسة أشهر من الاعتقال حتى يرضخ جهاز المخابرات التابع لسلطة صنعاء لحقيقة أنه لا يستطيع أن يجعل من نفسه محل ثقة. 

فبطلان التهم التي يكيلها ضد كل شخص يقوم باعتقاله أصبح هو العنوان الذي يصطدم به ذلك الجهاز ويصدم به جماعته وناشطيها على مواقع التواصل الاجتماعي.
تبدو التهم بحد ذاتها شاحبة ومستهلكة عندما تصدر بلا معنى. 

وذاك بالضبط هو حالها مع جهاز الأمن والمخابرات الأنصاري. فلأنه يعتقل لمجرد الاعتقال كجهاز قمعي لجماعة ناشئة على الشك والارتياب، فإنه يحاول أن يبدو قانونيا باعتماده مجموعة تهم جاهزة لديه يوزعها بلا اكتراث. تماما كما يفعل أصحاب اليانصيب، فهذا يكون من نصيبه تهمة التخابر، وذاك تهمة زعزعة الأمن، وذاك تهمة مخلة بالشزف، وذاك تهمة ترويج الخمور.
التهمة الأخيرة، الترويج للخمور، كانت من نصيب القاضي عبد الوهاب قطران. ارتأى مخرج الفيلم الرديء أن يقبض عليه متلبسا بها، فجهز كل أدوات الإخراج لدرجة أنه بالغ بها. فبدلا من أن يكتفي بتهمة العثور في جبة القاضي قطران على خمر بلدي معبأ وسط قارورة ماء للتمويه، كما يحدث لعسس الشرطة أن يفعلوا مع من يرون في يده قارورة ماء، يفتحونها ويشمونها أو يجرعون منها جرعة حتى يتأكدوا من كونه ماء بالفعل، قام المخرج باقتراح مشهد فيه الكثير من الأكشن: أن يقتحموا منزل قطران بشكل مباغت ويفتشونه تفتيشا دقيقا، فيكونون قد عثروا على معصرة خمر بأكملها داخل المنزل. لكن ربما في تلك اللحظة بالذات ارتأى أن يضيف مزيدا من الإثارة، بأن تكون المعصرة التي تم العثور عليها هي نفسها أصناف خمور فاخرة من تلك التي لا يمكن أن توجد إلا في أفلام الهوليوود بقواريرها وماركاتها وألوانها التي يسيل لها لعاب "الموالعة" لمجرد رؤيتها مرسومة، قضلا عن شمها وطعمها.
وهكذا تم ضبط القاضي عبد الوهاب قطران متلبسا بالجريمة في منزله وأمام أسرته وأولاده وأبناء حارته، وخرج جهاز الأمن والمخابرات منتصرا بتلك التهمة وموزعا إياها بكل روية على ناشطيه ومحبيه في مواقع التواصل الاجتماعي ليقولوا للناس من هو قطران، وإذا بالرواية الملفقة فضلا عن التهمة نفسها تسقط مع أول أحرف كتبتها في تلك المواقع، حتى خجل من أرادوا الترويج لها فسكتوا هم أيضا، ثم إذا بجهاز الأمن والمخابرات يسكت عن روايته هو أيضا ولا يعود إلى ذكرها على الإطلاق باحثا عن تهمة أكثر جدوى كما يبدو. فكانت التهمة الجديدة الموجهة للقاضي قطران (إذاعة أخبار وإشاعات كاذبة وتحريضية ضد قيادة الثوره والسلطات الرسمية وأخرى).
لكن ذلك كان بعد مضي فترة ليست بالهينة من اعتقال القاضي قطران، وبعد أن ظل جهاز الأمن والمخابرات طيلة أشهر يجهز ملف الاتهام لإرساله إلى النيابة الجزائية. رفضت النيابة استلام الملف لكونه ملفا غير مكتمل. 
أما التهمة الجديدة فلم تكن أقل عبثا من سابقتها، لكنها لم تكلفهم مونتاجا كالأولى، فلزموا الصمت مكتفين بإسقاط حصانة القاضي قطران واستمرار اعتقاله، حتى قررت النيابة الجزائية قبل أيام إطلاق سراحه، دون أن يعود هناك ذكر لأي تهم. 
تم إطلاق سراحه هكذا، تماما مثلما تم اعتقاله. إنها سلطة الاعتقالات والتهم اليانصيب.

شارك الخبر: